قضايا وآراء

شرق الفرات.. مشاكل مركبة

| مازن بلال

تقدم تصريحات المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون في مؤتمر «حوار البحر المتوسط» صورة أولية عن الأشكال الدولية التي تسير عليها الأزمة السورية، فبيدرسون هو المبعوث الثالث للأمم المتحدة خلال مراحل التطورات السورية، وهو يأتي بعد تبدلات كبيرة في الميزان السياسي للشرق الأوسط عموماً، وعندما يتحدث عن روسيا وإيران بأنهما الدولتان الوحيدان اللتان تملكان أدوات التأثير في دمشق، فهو لا يأتي بجديد لكنه ضمن المشهد الدبلوماسي يرسم معادلة من نوع خاص، فبعد أن كانت الأزمة السورية منطقة تجاذبات إقليمية على الأقل أصبحت وفق تصريح بيدرسون ضمن جبهة سياسية إن صح التعبير.
اللافت أن المبعوث الأممي لم يربط كل عوامل الأزمة السورية، ولم يتناول التطورات في شرقي الفرات وتأثيراتها في سير العملية السياسية، وفي الوقت نفسه تجاوز الدور التركي الذي يتحكم بطرف واسع من طيف المعارضة، فهو ينظر إلى اللجنة الدستورية وفق نقطتين أساسيتين:
– الأولى قدرة دمشق على تسهيل العمل من خلال استيعاب شكل النقاش الذي يدور في جنيف، فهو يعتبر أشكال العرقلة القائمة من بعض أطراف المعارضة يمكن استيعابها، أو التعامل معها من قبل الحكومة السورية لكونها تتحكم بالجغرافية، فهي لا تملك القوة فقط بل القدرة على التحكم بأي مستجد سياسي يمكن أن تطرحه مفاوضات اللجنة الدستورية.
هذه النظرة تعتبر جديدة نسبياً في التعامل مع الأزمة، فعمليات التفاوض السابقة كانت تنظر إلى التوازن على أنه جزء من التطورات العسكرية؛ ما جعل جميع جولات جنيف مترافقة مع تصعيد عسكري، ومحاولات لتقديم توازن قلق لا يمكنه إحداث تحول في مسار التفاوض، على حين يقدم بيدرسون اليوم مقاربة مختلفة تجعل من دمشق بوابة التعامل مع «العقد» الأساسية، والموقف التركي لا يمكن أن يغير عمليات التفاوض، فهو في النهاية خاضع لتأثيرات عديدة، وربما أهمها ما يحدث في شرقي الفرات، في وقت تريد كل الأطراف الدولية معالجة عمليات الاحتلال التركي بشكل منفصل، فهناك «تحييد» مقصود لما يجري في الشمال السوري، هدفه الأساسي إنجاح عمل اللجنة الدستورية.
– الأمر الثاني هو اعتبار موسكو وطهران الطرفين المؤثرين على الحكومة السورية، وهي علاقة يدعو بيدرسون من خلالها روسيا للتعاون مع باقي الأطراف الدولية، ورغم أن طرح المبعوث الأممي ليس جديداً لكنه يعيد وضعه ضمن إطار وظيفي خاص لعمل اللجنة الدستورية.
يدرك بيدرسون أن روسيا وإيران تتعاملان مع الأزمة السورية من ضمن منظومة الشرق الأوسط عموماً، فتأثيرهما على دمشق مرتبط أساساً بنوعية العلاقات التي ستحكم شرقي المتوسط، وبأشكال النفوذ الدولي الذي يحكم المنطقة بما فيها الوجود العسكري المباشر، فدعوة المبعوث الدولي لروسيا وإيران لممارسة تأثير على الحكومة هو في واقع الأمر إقرار بتوازن مختلف، وبأن الاستقرار يحتاج لتوسيع دائرة التعامل مع الأزمة ليشمل شكل العلاقات الإقليمية وأشكال استقرارها.
قدمت التجربة السورية شكلاً غير مسبوق لانهيار العلاقات الإقليمية، ورغم كل التحليلات التي تربط ظهور داعش بعامل أميركي مباشر، لكن انهيار هذه العلاقات جعل العنف والإرهاب السمة الأساسية لأي تبدل غير مدروس في طبيعة منظومة الشرق الأوسط عموما، فالحروب التي لم تهدأ من منتصف القرن الماضي أصبحت اليوم اضطراباً قابلاً للانتقال إلى العالم، وتجزئة الأزمة السورية وعزل مشكلة شرقي الفرات عن عمل اللجنة الدستورية، هو إدارة للأزمة في محاولة وضعها في إطار توازن للمنطقة عموماً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن