قضايا وآراء

وسيظل «الحوت» الهدف دائماً

| أحمد ضيف الله

في الـ24 من تشرين الثاني الماضي نفذت وزارة الداخلية العراقية قرار هيئة الإعلام والاتصالات، وهي هيئة دستورية مستقلة، بإغلاق وتنبيه عدد من المؤسسات الإعلامية العراقية والأجنبية لخرقها «مدونات السلوك المهني»، في عدم توخي الدقة في تغطيتها للاحتجاجات الشعبية في المدن العراقية، والتعاطي التحريضي مع التظاهرات، مغلقة مكاتب فضائيات: الشرقية، دجلة، NRT، الرشيد، الفلوجة، هنا بغداد، العربية الحدث (سعودية)، الحرة (أميركية)، anb (لبنانية)، إضافة إلى تمديد إغلاق فضائية «الحرة عراق» الأميركية لثلاثة أشهر أخرى، وإغلاق مكاتب إذاعتي «الحرة عراق» و«سوا» الأميركيتين، و«3» إذاعات محلية «راديو الناس» و«إذاعة اليوم» و«نوا»، فيما وجهت إنذارات لفضائيات «سكاي نيوز» الإماراتية، وإلى فضائيات محلية هي «السومرية» و«آسيا» و«روداو» و«أور»، واستنكرت السفارة الأميركية في بغداد في بيان لها في الـ28 من الشهر ذاته هذه «الإجراءات التي تهدد حرية الإعلام في العراق»، الذي يشغل فضاءه أكثر من «55» فضائية عراقية. فيما تجاهلت إدارة الـ«النايل سات» القرار العراقي، لكون أغلب المؤسسات تلك ساعد في تمرير وقائع ملفقة وكاذبة عما كان يجري في سورية خلال مراحل التآمر عليها، وما زالت، بقيادة قناتي «العربية» و«الجزيرة»، وعلى ما يبدو أن الـ«النايل سات» معنية فقط بإيقاف بث القنوات الفضائية التي تقاوم الإرهاب الصهيوأميركي كالفضائيات «السورية» و«المنار» اللبنانية و«المسيرة» اليمينة.
المتابع للمؤسسة الإعلامية التي تم إغلاقها 3 أشهر، يرى كيف أنها عمدت ومن خلال لقاءاتها مع محللين سياسيين معتمدين ومن أسمتهم ناشطين مفترضين إلى لعب دور المحرك والمنسق والموجه لمسار التظاهرات، متعمدة إظهار الأجهزة الأمنية بصورة المعتدي على ساحات التظاهر، وهو ما لم يحصل، إذ إن حالات التصادم مع القوى الأمنية وسقوط قتلى وجرحى كانت خارج مواقع ساحات التظاهر وتجمعاتها ولدى قيام بعض المتظاهرين بإحراق المؤسسات العامة والخاصة ونهب المحال التجارية المكلفين حمايتها.
إن الحرائق التي عمد عدد من المتظاهرين إلى افتعالها، دمرت أقدم شوارع العاصمة بغداد التراثية كشارعي الرشيد وحافظ القاضي، حيث إن «عدد المحال التي تعرضت للحرق تجاوز 900 محل ومخزن»، وأن «حجم الخسائر في حرائق شارع الرشيد يقدر بالمليارات ويعادل ميزانية دول»، وفق تصريح المستشار لدى اتحاد الغرف التجارية في بغداد محمد باقر الموسوي لصحيفة «المدى» في الـ26 من تشرين الثاني الفائت. ومما يؤلم أن عناصر فرق الدفاع المدني تعرضوا إلى إلقاء الزجاجات الحارقة والطعن بالسكاكين من الخلف وهم منشغلون في إخماد هذه الحرائق.
على مدار موجتي التظاهرات العراقية ركز محاورو تلك المؤسسات الإعلامية، على أن السجون العراقية فيها عشرات الآلاف من السجناء المحكومين بالإعدام، ممن جرى انتزاع اعترافاتهم تحت التعذيب، وهم أبرياء، ما أدى إلى تحرك مجاميع من المتظاهرين باتجاه عدد من السجون العراقية من بينها سجن «الحوت» في مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار الذي فيه أكثر من 6 آلاف سجين من أخطر إرهابيي العالم، وجلهم من ضباط الحرس الجمهوري السابق وفدائيي صدام وحرسه الخاص، على أمل إخراجهم لملء الفراغ في قيادات داعش الإرهابية، إلا أن محاولة اقتحام سجن «الحوت» فشلت، حين توافد المئات من مسلحي العشائر لحمايته، وقيام نسوة من المحافظة بتشكيل جدار بشري أمام مقر شرطة المحافظة، مانعين من كان ينوي اقتحام المقر لحرقه وقتل من فيه، ما شكل ذهولاً وصدمة مفاجئة لمخططي اقتحام السجن.
في لقاء مع فضائية «العهد» العراقية في الـ9 من حزيران العام الماضي، وهو تسجيل مازال على الـ«يوتيوب»، قال رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي عن لقائه صاحب فضائية «الشرقية» وصحيفة «الزمان» سعد البزاز وهو بصحبة مجموعة من السياسيين في عمان: «بدأ يسألني عما سأعمله في البرلمان، فقلت البرلمان سلطة تشريعية وو… فقاطعني قائلاً: المكان يلي رايح له، والدولة التابعة له، نحن لا نعمل على بنائها، نحن ندخل بالعملية «السياسية» وبقدر ما نستطيع نعمل على تخريبها، لأنها ليست دولتنا»!
فضائية «الشرقية» ممولة بالكامل سعودياً، ويديرها البزاز وهو نائب نقيب الصحفيين العراقيين الأسبق، واستجلب عدي صدام حسين كل الذين كانوا قد عملوا معه في الإذاعة والتلفزيون في العراق حين كان مديراً لها، ليديروا مؤامرات تدمير العراق والقوى المقاومة للاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، باتت أضرار نشراته الإخبارية وبرامجه الحوارية السياسية تفوق مرات أضرار انفجار عبوة ناسفة في سوق شعبيّ مغلق ومزدحم.
معظم القنوات تلك، ليست مجرد فضائيات كالأخريات، إنها مراكز توجيه وإدارة التآمر على العراق وقوى المقاومة في المنطقة، وهي تتماثل بالنهج مع «وكالة أعماق» التابعة لـ«داعش».
وعلى الرغم من أن هناك ما يوحي بأن شيئاً ما يحضر لمحافظة نينوى وجوارها، فإن سجن «الحوت» سيظل الهدف دائماً، وراقب الـ«طحنون» يدلك على موقع الخراب القادم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن