ثقافة وفن

الماسة الدامية عن فيلم إدوارد زويك … التجار الغرباء يبيعون السلاح للإخوة المتصارعين

| ضحى مهنا

هو فيلم أميركي شاهدته منذ أسابيع حين كنت أبحث عن خبر يريحني قليلاً من زهق الأخبار وتعاستها، فرأيت فيه ما زادني كآبة وفزعاً عما يجري في القارة السمراء، وما كنت على جهل به… هنالك جراحات تنزف من وجع الظلم والطغيان في سبيل ذهب ونحاس وفضة وعاج ونفط وألماس. هي الحروب ذاتها في العالم من أجل المال والنفوذ، المال الذي لا ينام وهو عنوان لفيلم آخر. يأتي بقوة السلطة أو تأتي به فيتصارع الإخوة الأغبياء، يحرضهم الغرباء ولا يأبهون كم من الدماء سالت وتسيل على التراب الذي تحول إلى تراب أحمر.
من أجل الألماس يأتي هذه المرة التجار الغرباء بالسلاح للإخوة المتصارعين، ليستخرجوا لهم الألماس بتسخير الرجال والأطفال وفوق رؤوسهم المنكّسة، سلاح لا تسكت أصواته للترهيب والقتل الذي يشبه قصاص الآلهة القديمة الظالمة وهي تضحك بحقد غبي أغاظني «علامَ تضحكون أيها المجانين؟».

فقد ذكّرتني بمشاهد الحرب في بلادي التي كان صوت الأطفال والنساء الفزع يكاد يعلو على أصوات الرصاص.. ولكن من يهتم؟ من أجل قطع زجاج مهما بلغت قيراطاتها كانت اختفت دهراً في أعماق الأرض، تشتعل حروب مدمّرة للبلدان والمجتمعات.. حتى الأطفال لم يسلموا من ذلك العداء، بل دفعوا إليه بالسلاح، وعدتُ لأتذكر أطفال الصراع في بلادي ونساء نكاح الجهاد. ها هو الفتى الصغير يدلّ على أبيه سارق الألماسة الوردية التي سمع التجار يسألون عنها بنهمٍ محموم، هي الألماسة التي تمتصّ الضياء لتطلق بريقاً نقياً يخطف الأبصار، فسالت من أجلها وغيرها الدماء.
خطف المسلحون الفتى ليكون رهينة يفديه أبوه بالألماسة الوردية وفي المعسكر تدرّب الابن على استعمال السلاح وتلقّى غسيلاً للدماغ، وعرف المجون والمخدرات ونساء الحرب الذليلات.. لكن الأب يصرّ على عودة الابن الضالّ، ذكرّه بأمه وأخواته الصغيرات بمدرسته ومادة العلوم التي يحب، ذكرّه بما كان يردده مرات أمامه كأغنية «بلادنا جميلة وغنية، سنعيش في سلام وهناءة في غدٍ ليس ببعيد». لكن المال والحرب يجعلان كل شيء بعيداً عن حرية وكرامة وعيش جميل.
في فيلم (الماسة الدامية أو المدمّاة أو ألماسة الدم) مشاهد ندية خفّفت من قسوة المشاهد السابقة،فتظهر صحفية أميركية تسعى وراء الكشف عن أسماء تجار الألماس وأرقام حساباتهم ودولهم. لتتوقف هذه التجارة اللعينة، وما كانت مهمتها بالآمنة وإن كانت أميركية «حتى إن التاجر الصغير خاف عليها ونصحها وهي الجميلة العذبة أن تعود إلى بلادها وتتزوج من رجل صالح، لكنها كانت شغوفة بمهنتها وعملها، ونجحت لاحقاً وبعد عناء في يقظة إنسانية ذلك التاجر الذي لم يهنأ بالألماسة الوردية التي كان الإفريقي قد أعطاه إياها ملفوفة بمزقة من بنطاله المهلهل بعد أن ساعده على عودة ابنه، لكن ذلك التاجر أصيب بالرصاص الذي حمله يوماً للمتصارعين، من تاجر كبير لاسترداد الماسة الوردية، فأعطاها للإفريقي فهو أحق بها فقد استخرجها من أرضه وبجهده وأوصى به الصحفية لتساعده بعد أن كان أعطاها دفتراً بأسماء التجار والحسابات.
وقف الإفريقي بعد رحلة طويلة ومشاهد (الأكشين التي أحببتُها في هذا الفيلم أمام لجنة في لندن ليدلي بشهادته عن تجارة الألماس القاسية والسوداء التي لا يرى العارف بها بريقاً.. استمع إليه باهتمام رجال مهذبون فرقّت نظراتهم وتهدج صوت المقرر.. ممنوعة هي تجارة الألماس من دولٍ تعاني النزاع» وتساءلت عن أي بلاد يتكلم وهل ثمة مكان هنا أو هنالك لا نزاع فيه؟
كان قراراً سامياً بخطوة ناقصة، لأن المقرّرين والتجار والصحفية يعرفون بأن الألماس سيُهرّب إلى دول مجاورة «لا نزاع فيها!!» ومن هنالك سترسل الماسات النقية وذات الشوائب إلى الهند ومنها إلى بريطانيا وبلجيكا وغيرهما، حيث يتمعّن فيها الخبراء بمناظيرهم، ويفرزون النقي من غيره، وتستمر التجارة ويستمر القتل والدمار والفزع، إنه المال الذي لا ينام.
في فيلم (الماسة الدامية) أو ألماسة الدم مشاهد إنسانية أخرى مؤثرة وملهمة على قسوة الفيلم، وكان السيناريو والإخراج والتصوير في رشاقة وسرعة سيقان الأفارقة النحيلة القوية وهي تركض نحو الحياة الحق الأول للإنسان. وقد فكّرت بأن من ترى الفيلم ستقول وهي تنظر إلى حليتها إنه مصاغ مُدمّى، إن كان من فضة ونحاس أو من ذهب وألماس وعاج.
وتبقى الورود والكتب أجمل الهدايا بين الأصدقاء والأحبة وأكاد أقول والشوكولا اللذيذة لولا السمنة التي تسبّبها، ولكنني تذكرت ثانية المظالم في مزارع الكاكاو.
تحية إلى تلك الصحفية الشغوفة بالحقيقة وتحية إلى كاتب (الماسة الدامية) ومخرجها، وتحية إلى الشجعان الذين لا يتوقفون عن الكتابة وصناعة السينما بأمانة ومن دون حياد. «ما تزعلوا» كثيراً مما قد يصيبكم من منع وتعنيف وترهيب، فقد عانى من قبلكم كثيرون حتى وصل بعضهم إلى القتل وإحراق الكتب.. إنه الجهل والغباء. وقد قال أمين معلوف بأن على الإنسان ألا يقول كلمة تكلّفه حياته!! لينتظر، ربما يتمكَّن من قولها ذات يوم ولا أعرف كم في هذا القول من صواب! أم أن لا جدوى من كل هذا؟
أعجب من سطوة النفوذ وقوته التي تخاف الكلمة وتزدريها في الوقت الذي يتبجح أحدهم كما جاء في تقرير لأحد مراكز البحوث، بأن الكتّاب والفنانين ليسوا الآن من بين أصحاب النفوذ في العالم فثمة رجال المال والشركات العملاقة والمصارف و.. و.. فلماذا يأخذون الكلمة بهذا العنف؟ أم على الكتاب وغيرهم أن يتخفّوا في صورة القاضي والفقيه و..؟
في البلاد الأخرى سنجد عندهم ما يشبه ما عندنا بوسائل أخرى كالتجاهل وإخفاء الكتب «وسائل حضارية!» تذكروا معي أسانج الشجاع المعذّب في سجنه وسنودين الهارب في غربته.
جاء في كتابنا الكريم «اقرأ وتأمّل وتفكّر».
والمجد للكلمة والفن والحقيقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن