ثقافة وفن

«جدايل» انطلاقة فنان مغترب … أيمن حميرة لـ«الوطن»: أسعى إلى التفرد في طبيعة العمل وشكله وأبحث دائماً عن خامات ومواد جديدة

| سارة سلامة - ت: طارق السعدوني

كثيراً ما راودته فكرة العودة إلى وطنه الأم سورية تاركاً غربة لم ينكر فضلها في تمكين الإرث الفني لديه.. إلا أن الحرية برأيه لا يمكن أن تكون إلا بأرضه والفن كما يراه لا يتحمل التقييد. فكان كما الطيور المهاجرة لا بد لها من أن تعود مرة أخرى إلى موطنها الأصلي. ليعود ويقدم تجربته المصقولة بخبرة سنوات قضاها في التجريب وتقديم الأفضل، من ناحية شكل الكتلة والمواد والألوان والأدوات هي تجربة جديرة بالاحترام. ويشكل الفنان التشكيلي أيمن حميرة عالمه الخاص من خلال معرض حمل اسم «جدايل» بـ22 منحوتة تسعى لتتكلم وتخبرنا بما تعيشه وتشعرنا بالمسؤولية تجاهها لاكتشافها مجدداً والبحث في ما تقوله الآن ومستقبلاً.

من دمشق انطلق مجدداً ليستشف ذائقته وذاكرته الفنية، ويعمل على الاندماج الروحي والمجتمعي وتقديم مستوى فن عال، لتشكل المرأة محور أعماله، وبالرغم مما تتعرض له من اضطهاد إلا أنه بقي مؤمناً بصلابتها وتغلبها على الحزن والأسى المخيم عليها. فقيدها بأسلاك معدنية وكذا قيد الجميع ليثبت لنا أن تلك القيود مفروضة علينا جميعاً.
هو فنان يتقن عمله يجرب مراراً ليتفرد في الشكل والنوع وحتى الأدوات، وترك في بناء المنحوتة فراغاً جزئياً وعكس منها النور في خطوة توحي عن استمرارية الأمل.
ولأن صالة «أدونيا» تحرص على تقديم فن بذائقة عالية في خطوة تريد بها رفع المستوى الجمالي للمتلقي، احتضنت معرض الفنان أيمن حميرة ودعت الجميع إلى اجتثاث الجمال والبحث عن مكامنه.

أسعى إلى التفرد

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بيّن الفنان أيمن حميرة أن: «هذا المعرض هو نتاج تجربة استمرت 11 عاماً، وتعرضت كل المنحوتات فيه إلى عملية تطوير، وأسعى دائماً إلى التفرد في طبيعة العمل وشكله، وأبحث عن خامات ومواد جديدة، وأنحت خشباً، وحجراً وأصب خامات، وأبحث دائماً عما يناسبني كشخص وبيئة. ولطالما بحثت عن مواد جديدة وجربت كثيراً حتى استقررت على هذه المواد، من خلال دمج السيراميك والإربزين وقطع الفيبر والخشب وصلت لمرحلة تسمى (كولاج) النحت، والمعروف أن (الكولاج) خاص بالرسم إلا أنني أحببت أن أستخدمه في النحت».
أما عن موضوعات المنحوتات فقال حميرة: «إن المرأة تشكل المحور الأساسي في كل الأعمال، كما أن الفراغ في العمل لا يقل أهمية عن الكتلة نفسها، والأعمال التي تحتوي على فراغ هي دليل على الجزء الناقص من المنحوتة وهو الجزء اليميني للوجه وللناظر هي الجزء اليسار، هو تناقض ليس مخططاً له وإنما ظهر وحده وأنا في حالة بحث مستمرة عن هذه الأشياء لا شعورياً، ومن خلال العمل المتكرر رسوت على موضوع هذه الفكرة، وباعتبار أن المرأة هي المحور الأساسي لأعمالي، نلاحظ ما يصيبها في مجتمعنا من الأسى والحزن والقيود ولكنها في الوقت ذاته تحمل الصلابة. وكنظرة أولى ممكن أن نلاحظ هشاشة العمل إلا أن العمل قوي، وهذه التناقضات تخرج باللاشعور، وهي نتيجة خبرة عدة أعوام وصلت خلالها إلى رؤى وقدمتها في هذا المعرض».

عمل على تعتيق النحت وجعل اللون طبيعياً مثل الخشب والرخام حيث بيّن حميرة: «أعمل على اللون الذي أراه مناسباً، وأحياناً اعتق اللون حتى يظهر بخامات مختلفة مثل البرونز والرخام والغرانيت، وأيضاً أعتق الخامات المعدنية، واستخدمت المعدن حتى يعبّر بشكل قوي عن (القيد) وبعض الأعمال استخدمت فيها اللون الذهبي وهذه الأعمال قريبة إلى قلبي، وهناك أحد الأعمال استخدمت فيها شعراً طبيعياً لزوجتي التي أعتبرها الملهمة الأولى لأعمالي».
أما الوقت الذي ممكن أن تأخذه المنحوتة لتكون جاهزة فأوضح حميرة أن: «تشكيل العمل ككتلة رئيسية لا يتجاوز الساعة ولكن تجميعها يأخذ وقتاً، من صبها وحرقها في الفرن، والعمل موزع على مراحل ولا يمكن أن ينتج من خلال جلسة واحدة بل يحتاج إلى عدة أسابيع، فهناك أحد الأعمال اكتمل قبل يوم من المعرض، وكنت قد بدأت به منذ خمسة أشهر، وهو عبارة عن وجه طفل استوحيته من صورة لابنتي عبر إدخال النحاس».
المعرض الذي يحتوي على 22 قطعة شكل البداية الفعلية لانطلاقة حميرة الذي قال: «الآن نقطة البداية وبالتأكيد سيكون هناك معارض أخرى، ومعظم هذا النتاج كان في غربتي، ونحن كفنانين نشعر بالغربة بشكل مختلف وخاصة مع القيود التي تفرضها بعض المجتمعات على الكثير من الأعمال التي بقيت مخبأة لسنوات».
وعن اللمسة الفنية في المنحوتة وتحول فن النحت إلى مهنة استهلاكية قال: «كل فنان يختار الطريقة التي تناسبه في التعبير وتشكيل أعماله، والاختلاف والتنوع جيد، وهناك أشخاص مهنيون يقدمون أشياء تجارية ولكن الضليع بالفن يميز بين الحرفي والفنان، وعندما كنت في غربتي كان هناك حفاوة دائماً بالفنان السوري ويبهر الجميع وخاصة أنه يقدم كل ذلك الجمال رغم ظروف الحرب، والفن التشكيلي السوري عريق».
وبالنسبة لرسالته من خلال المعرض أكد حميرة: «رسالتي واضحة وقوية وهي الحياة والاستمرارية من غير القيود المطروحة في العمل وخاصة في ما يتعلق بالمرأة، لأن المرأة السورية أقوى بكثير وستتغلب على كل تلك القيود».

تتميز رسالتنا

وعبر رسالة صالة (أدونيا) في تقديم الزخم للحركة الفنية التشكيلية والحفاظ على الفن الراقي في سورية، وسعيها الدائم نحو التميز والإبداع عند جميع الشرائح شباب وأطفال وجرحى وأبناء الشهداء، تقول المهندسة أمان حاج موسى وهي من القائمين على الصالة إن: «المنحوتة في هذا المعرض ليست منحوتة تجارية وإنما منحوتة تحمل لمسة فنية وهذا هو التميز في رسالتنا، حيث نعمل على نقل الرسالة للارتقاء ببلدنا، ونحن نحارب بطريقتنا لتقديم رسالة إلى كل الشعب السوري، ونقول ابحثوا عن النقطة المضيئة في أنفسكم وفي بلدكم لأننا معاً سنبني سورية الحداثة، وخاصة أننا أصبحنا في مرحلة إثبات هوية».
وعن المنحوتات توضح موسى: «إن حميرة عبّر بمنحوتاته عن المرأة وقيدها وحريتها، وأعتقد أن كل منحوتة تحمل قصة خاصة بها، وخاصة أن الأسلاك والقيود هي من تكبل فننا، بمعنى أن المرأة ليست هي فقط المقيدة وإنما الإنسان بشكل عام مقيد، كما دمج بين العصرية والتكنيك الفني بأسلوب مميز».

يطرح الحداثة

وعن رأيه في المعرض قال الفنان التشكيلي محي الدين الحمصي: «نشاهد اليوم هذا المعرض لفنان شاب وهو من الفنانين القلائل الذين يشتغلون على الكتلة المفرغة. عبر طريقة جديدة لها علاقة بالحداثة، قوامها خليط من الطين والحديد أو طين الصلصال، من خلال توليفة جميلة يتخللها أسلاك بألوان ذهبية وبرونزية، وتحتوي على فراغ يدخل منه الضوء، ويحدث انعكاس قوي من خلال عبور الضوء من الكتلة، ونرى شيئاً غير عادي من خلال تفريغ الخامة من عجينة الحديد».
وعن الأدوات والمواد المستعملة بيّن الحمصي: «هناك مواد خارجية كالسلك والشعر، وأيضاً استخدم الألوان بشكل غير مطروق فنرى أن ألوان حجر البازلت القاسي ولون الصلصال المدموج مع معجونة الحديد، وإذا ما تحسسنا الخامة نلاحظ أنها غير مصنوعة من الحجر إلا أنه يعطينا إحساس الحجر، لذلك أقول: إن المعرض فيه الكثير من الحداثة، وأتمنى أن نرى الحركة التشكيلية السورية دائماً تحمل الحداثة وذات ذائقة بصرية عالية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن