في اليوم العالمي للغة العربية.. ألفاظ أجنبية تهدد ثقافتنا … تعلم اللغات الأخرى ضرورة دون أن تكون بديلاً عن اللغة الأم
| وائل العدس
تعرف بلغة القرآن الكريم، وتتميز برونقها ويسرها وجمالها، وتحتل المركز الخامس في أكثر اللغات تحدثاً حول العالم بعد الصينية والإسبانية والإنكليزية والهندية، إذ يتحدثها أكثر من 400 مليون إنسان، ويبلغ عدد كلماتها 12.3 مليون كلمة، وتتكون من ثمانٍية وعشرين حرفاً وعلى رأسهم حرف «الضاد» الذي لا مثيل له في جميع اللغات الأخرى، لذلك يُطلق عليها اسم لغة الضاد.
يحتفل العالم بأسره يوم الثامن عشر من شهر كانون الأول من كل عام باليوم العالمي للغة العربية بمناسبة إدخالها ضمن اللغات الرسمية في العمل لدى الأمم المتحدة في عام 1973.
على مر العصور
اللغة العربية على مر العصور وإلى هذا اليوم ما زالت محافظة على جوهرها ونظامها وقواعدها، كما أنها ما زالت محافظة على تاريخها، وهي من أغنى لغات العالم لأنها تتضمن كل أدوات التعبير في أصولها، وتمتاز بتنوع معانيها ومفرداتها وألفاظها، ما جعلها منفردة ومتربعة على عرش باقي اللغات.
العربية لغة كاملة محببة عجيبة، تكاد تصور ألفاظها مشاهد الطبيعة، وتمثل كلماتها خطرات النفوس، وتكاد تتجلى معانيها في أجراس الألفاظ، كأنما كلماتها خطوات الضمير ونبضات القلوب ونبرات الحياة.
من خصائص اللغة العربية الإيجاز، فإن الكلمة الواحدة للغة العربية يكون لها أكثر من معنى على حسب موقعها في الجملة، وعلى حسب ما تشير إليه فيها، فاللام مثلاً تستخدم كحرف جر كما تستخدم للتوكيد، كل على حسب موقعها.
اللغة العربية مستودع شعوري هائل يحمل خصائص الأمة وتصوراتها وعقيدتها وتاريخها، ويبقى تعلم اللغات الأخرى حاسة إضافية ضرورية، مع الحذر أن تلغي حواسه الأصلية أو تكون بديلاً عنها.
سعة هذه اللغة في أسمائها وأفعالها وحروفها وجولاتها في الاشتقاق، ومأخوذاتها البديعية، في استعاراتها وغرائب تصرفاتها، في انتصاراتها، ولفظ كنايتها.
ومما تميزت به اللغة العربية عن باقي لغات العالم أنها تنطوي على العديد من الأساليب اللغوية؛ كالفصحى والعامية والأساليب الشفهية والمكتوبة، إضافة للتنوع الفني في الخطوط الكتابية والنثرية والشعرية والعلمية (الهندسة والفلسفة)، وعلاوة على ما تقدم ذكره فإن مما يميز العربية قدرتها على نقل العلوم والمعارف من مختلف اللغات والحضارات كالرومانية واليونانية مع إمكانية التحاور بها كلغة مع مختلف اللغات والثقافات.
عبر التاريخ
بدأ العالم يولي اهتماماً باللغة العربية من خلال اليونسكو، فقد تقرر في عام 1948 في مؤتمرها الثالث اعتماد اللغة العربيّة كلغة ثالثة للمنظمة إلى جانب اللغتين الإنكليزية والفرنسية، وقد تمت ترجمة الوثائق وأوراق العمل إليها.
في عام 1960 اعترفت منظمة اليونسكو في مؤتمرها آنذاك بأهمية اللغة العربية وقدرتها على استيعاب منشورات المنظمة وتأثيرها الكبير في حال كتابتها باللغة العربية على الآخرين.
في عام 1966م تم اعتماد الترجمة الآنية للغة العربية في جلسات منظمة اليونسكو، وفي عام 1968 تم اعتماد اللغة العربية كلغة عمل في المنظمة.
وفي عام 1974 وبفضل جهود الدول العربية تم اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية لليونسكو.
ويأتي هذا اليوم كتتويج للغة العربيّة وإبرازاً لأهميتها ودورها في حفظ التاريخ ونقل العلوم من الحضارات المختلفة إلى العصر الحديث.
ويهدف هذا اليوم إلى لفت انتباه العالم إلى واحدة من اللغات التي كان لها الفضل الكبير في النهضة الأوروبية الحديثة ثم في الثورة الصناعية نتيجة ما انتقل من علوم وفنون وفكر وفلسفة وحضارة وآداب من الحضارات القديمة باللغة العربية بعد أن قام العلماء العرب والمسلمين بترجمة علوم وفنون وآداب الإغريق والرومان واليونان ثم أضافوا عليها الشيء الكثير في وقتٍ كانت فيه أوروبا غارقة في بحر من الجهل والظلام.
إن للغة العربية مكانة كبيرة وانتشاراً واسعاً بسبب كونها لغة القرآن الكريم، وهي معتمدة في العديد من الكنائس المسيحية الشرقية وقد كتب بها العديد من كتب الدين المسيحي.
التجربة السورية
ربما أكثر ما يهدد وجداننا وثقافتنا وصولنا إلى مرحلة نستخدم فيها ألفاظاً أجنبية دخيلة كنوع من الدلع وإبراز الثقافة، وأخطر ظاهرة على الإطلاق ظاهرة الكتابة أو التحدث بكلمة عربي وكلمة إنكليزي، ليصنف صاحبها بين قائمة المثقفين.
ليس العجز في اللغة العربية في استيعاب المصطلحات العلمية الجديدة، بل العجز عند العرب أنفسهم والتقصير منهم، وهناك الكثير من المحاولات الفردية الناجحة في تعريب المصطلحات العلمية، وأما على نطاق الدول فإن التجربة السورية الناجحة في التعريب الكامل للمصطلحات العلمية هي أكبر دليل على قدرة اللغة في الاستيعاب.
إذاً لم تكن سورية عبر تاريخها الحديث بعيدة عن الاهتمام باللغة العربية فمنذ عام 1919 تأسس فيها أول مجمع لغوي يعنى بهذه اللغة ونهوضها وصون تراثها وتعريب المؤسسات والتعليم والمناهج لتكون سباقة في تعريب كل المراحل التعليمية بمدارسها وجامعاتها وحقول المعرفة فيها ليكرس الإعلام السوري بمؤسساته قضية الحفاظ على اللغة العربية في نتاجه ولغته اليومية.
في القرآن الكريم
يقول اللـه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
«إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (سورة يوسف – آية 2).
«قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُم يَتَّقُون» (سورة الزمر- آية 28).
«إنَّا جعلْناهُ قُرْآناً عَربِيّاً لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ» (سورة الزخرف- آية 3).
مما قيل في العربية
– قال رسول اللـه محمد صلى اللـه عليه وسلم: «أحبوا العرب لثلاث، لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي».
– عمر بن الخطاب رضي اللـه عنه قال: «تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم».
– الشاعر أحمد شوقي قال: إن الذي ملأ اللغات محاسناً جعل الجمال وسره في الضاد.
– الشاعر خليل مطران يسمي العرب «بني الضاد»: «وفود بني الضاد جاءت إليك وأثنت عليك بما وجب».
– الأديب طه حسين: «إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومهين أيضاً».
– الإمام الشافعي: «ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب، وميلهم إلى لسان أرسطو طاليس».
– المستشرقة الألمانية سيغريد هونكه: «كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم، وسحرها الفريد؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة».
– المستشرق الألماني كارل بروكلمان: «بلغت العربية بفضل القرآن من الاتساع، مدى لا تكاد تعرفه أي لغة أخرى من لغات الدنيا».
– المستشرق الفرنسي وليم مرسيه: «العبارة العربية كالعود، إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت، ثم تُحَرَّك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر موكباً من العواطف والصور».
– المؤرخ الفرنسي إرنست رينان: «اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة».
– المستشرق الإنكليزي إدورد وليم ورك: «إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر».