من دفتر الوطن

العالم يغلق نوافذه!

| عبد الفتاح العوض

هل هي «موضة» فكرية جديدة تجتاح العالم.. أم فعلاً ثمة ما يجري تصنيعه وتغليفه ثم يصدر إلينا منتجاً فكرياً ندفع ثمنه ونستهلكه من دون أن نعرف حتى مكوناته.
سنبدأ من الأشياء التي نكاد نلمسها لمس العقل.
لاحظوا معي أن التطرف في كل مكان يجد له مبررات كثيرة ليكون هو المسيطر.
من حيث الشكل يبدو المتطرفون أقلية لكن الذي يحدث أن هذا التطرف يسيطر وينشر أسلوبه على الآخرين.
المتشددون والمتطرفون في الأديان استطاعوا أن يضغطوا على كثير من المجتمعات و«بالقوة» نشروا أسلوبهم في الحياة. وعلى الرغم من أن داعش مثال مثالي للتطرف والعنف والتشدد، إلا أن إسرائيل هي الشكل اليهودي من داعش الإسلامي… إسرائيل من رأسها إلى قدميها ترتدي العقل اليهودي العنيف والمتشدد، ومسألة يهودية الدولة هي عرض لمرض التطرف الديني اليهودي.
أيضاً وبصورة مقابلة فإن المتطرفين في الإلحاد أو ضد الأديان أو حتى المتطرفين من اللادينيين، أصبحوا يتعاملون مع الأديان على أنها شرٌ كلها من أولها إلى آخرها وأن أي «لفظ» يدل على بذرة إيمان لدى الشخص هو شهادة سوء فكر وسوء سلوك!
ومثل هذا ضار للمجتمع مثلما هو ضار للمجتمع التطرف الديني وإن كان التطرف الديني «بنكاً دموياً»، على حين يأخذ التطرف اللاديني إن صح التعبير شكل العنف غير الدموي!!
أين يقف المعتدلون في هذا المجال؟ إنهم ينالون سخط المتطرفين!
في دول العالم، وهنا المسألة تأخذ شكلاً أكثر تعقيداً وأكثر ضرراً، التطرف اليميني بدأ «يسيطر» على كبرى الدول.
ولدينا الآن أمثلة مهمة من سيطرة الأحزاب اليمينية وزيادة عدد ممثليها وكذلك زيادة شعبيتها.
كيف يمكن لأشخاص يحملون هذا النوع من الفكر سواء ترامب أم جونسون أن يصلوا إلى قمة دول كبرى لديها ما لديها من إرث فكري يدعو للاعتدال على مستوى مواطنيها.
العالم يغلق نوافذه على حرية الرأي والمعتقد وفي الاقتصاد أيضاً، وخلافاً لكل شعارات الحدود المفتوحة والاقتصاد الحر، دعه يعمل دعه يمر، أصبح هناك حمائية من نوع خاص وأصبح السياسيون في العالم يعملون لدى رجال المال والاقتصاد.
هذا التغيير الذي يحدث في العالم إما أن يكون حالة عارضة واختلالاً في التوجهات العامة نحو المستقبل وإما أنه مسألة محسومة الاتجاه نحو مزيد من التطرف والتشدد السياسي والفكري والاقتصادي.
أين نقف نحن من كل هذا وماذا يجب أن نعمل؟
لدينا فرصة مهمة جداً لنستفيد من دروس الحرب والدم وأن يكون للعقل المنفتح والمعتدل القدرة على التأثير على المجتمع بكل الطرق وإسكات المتطرف والمتشدد بكل الأشكال والألوان.
أما على المستوى العالمي فهناك دول كثيرة لم تصبها بعد «لوثة» اليمين وهو ما يجب أن نعمل معها ليكون ما يحدث الآن مجرد عارض عالمي سرعان ما ينتهي.
في الأمنيات نرجو أن يكون ما يحدث هو مسألة عارضة و«موضة» لها أسبابها وتنتهي.. وما يشجع على ذلك أن ما يجري يتناقض مع العولمة التي تم الترويج لها فكرياً واقتصادياً وثقافياً، ولها أنصارها ومفكروها، بينما على الأقل التطرف لا أحد يدّعي أبوته رغم أننا نعرف شجرة عائلته كلها.

أقوال:
– حاول إغلاق فمك قبل إغلاق الناس آذانهم، وفتّح أذنيك قبل فتح الناس أفواههم.
– الحضارة ليست كومة، ولكن بناء وهندسة معمارية.
– من قبل كنت أقرأ لأحكم ومن بعد صرت أقرأ لأعرف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن