خميس: تعذبّنا كثيراً من مقاومة التغيير لاختلاف آراء أعضاء الحكومة … «غروب واتس آب» بين الوزراء لإصلاح القطاع العام الاقتصادي … الجذبة: توزيع الفائض من عمال الشركات على الجهات العامة ورفد الشركات بالأيادي المدرّبة
| هناء غانم
عوّل رئيس مجلس الوزراء عماد خميس على عمل لجنة إصلاح القطاع العام الاقتصادي منذ تأسيسها قبل سنة وثلاثة أشهر، مبدياً استياءه لمرور هذه الفترة الزمنية من دون نتائج، خاصة وأنها «من أهم اللجان التي عرضت علينا كحكومة، وقد تعذبّنا كثيراً في مقاومة التغيير لجهة اختلاف الآراء ووجهات النظر بيننا كأعضاء الفريق الحكومي لتطوير وتقديم الرؤية الصحيحة، ووضع الآلية التنفيذية للإصلاح».
جاء ذلك خلال الاجتماع الذي عقد أمس لمعرفة رؤية وزارة الصناعة لإصلاح قطاع الصناعات النسيجية، باعتباره في مقدمة أولويات عمل اللجنة، لأهميته بإعادة النهوض بالإنتاج وتأمين حاجة السوق المحلية والتصدير.
ولم يتردد خميس في انتقاد أعضاء اللجنة، إذ قال لهم: «من يجد نفسه غير قادر على تقديم ما هو مفيد فليس لديه وقت ليقل ذلك، فنحن نريد عملاً»، وطلب من أعضاء اللجنة تقديم ورقة للتطوير والإصلاح، مضيفاً: «لا نريد تقديم معلّقة، بل نريد معرفة الاستثمار الأمثل للصناعات النسيجية والبنى التحتية والموارد البشرية على كافة الصعد، حتى القانونية».
ولفت خميس إلى أنه قد يكون أحد أهم خطوات الإصلاح الاقتصادي إصلاح التشريعات، «ما نريده هو تقديم برنامج عمل للإصلاح ضمن رؤية وطنية قابلة للتنفيذ».
وطلب خميس من أعضاء اللجنة إنشاء مجموعة «غروب» على «الواتس آب» يسمى «مجموعة إصلاح القطاع العام الاقتصادي»، لمناقشة وتبادل الآراء والمعلومات، مؤكداً ضرورة تكثيف نشاط وعمل اللجنة للتوصل إلى نتائج إيجابية.
عرض الصناعة
قدم وزير الصناعة محمد معن جذبة توصيفاً لواقع عمل مؤسسات القطاع العام النسيجي والصعوبات التي تعترضه، والإجراءات الواجب اتخاذها للانتقال بهذا القطاع إلى واقع أفضل يتناسب مع متطلبات المرحلة القادمة.
وعرض لأهم السياسات الكلية لإصلاح القطاع العام الاقتصادي المقترحة على مستوى الصناعة النسيجية في مختلف المجالات، لاسيما لجهة عدم تحميل البعد الاجتماعي على المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي، وتحويل هذا الدور لصناديق الدعم الاجتماعي حصراً، وحصر دعم الإنتاج بمرحلة الإنتاج الزراعي، بحيث يتم إلغاء الدعم السعري، والأهم إلغاء التسعير الإداري في كافة مراحل الإنتاج، وتعزيز إجراءات المؤسسة في الريف السوري من خلال إحداث خطوط إنتاج وتأمين فرص عمل، كذلك تحمل أحد صناديق الدعم الحكومية أجور العمالة خارج العملية الإنتاجية.
وفيما يخص إعادة تأهيل الشركات المدمرة أكد الجذبة ضرورة التريث في ترميم الشركات المدمرة بفعل العمليات الإرهابية لحين إقرار سياسة حكومية شاملة لاستثمار الأراضي والمباني الحكومية المتضررة، وبما لا يحمّل الموازنة العامة للدولة أعباء كبيرة، بهدف الاستفادة من بعض العقارات التابعة للمؤسسات العامة من خلال طرحها للاستثمار بما يضمن الملكية العامة والمحافظة على حقوق العمال ومكتسباتهم، بما يحقق ريعية اقتصادية.
إضافة إلى إعادة تأهيل وتطوير الشركات القائمة والمستمرة في عملها، والاهتمام بالمواصفات والجودة، إضافة إلى السماح للقطاع العام بالمشاركة في تأهيل الشركات التابعة للمؤسسة وفق نظام التشاركية.
أما في مجال العمالة، فقد طالب الوزير بتوزيع العمالة الفائضة على مؤسسات القطاع العام الأخرى، ورفد الشركات باحتياجاتها من اليد العاملة المدربة.
وأكد جذبة ضرورة إنشاء بيئة قانونية جديدة تعنى بالصناعات النسيجية من خلال إصدار قانون أو تشريع خاص بتنظيمها، وتحويل الشركات التابعة لقطاع النسيج إلى كيانات اقتصادية جديدة على شكل شركات خاصة تملكها الدولة وفق الصيغ التي تراها الحكومة مناسبة، بحيث تعمل وفق أحكام قانوني التجارة والشركات، إضافة إلى وضع آلية واضحة للمراقبة وتقييم تطور العمل في المؤسسات العامة، وإنشاء نظام معلومات خاص بالصناعات النسيجية، وتفويض وزير الصناعة بموجب نص قانوني لإضافة أو تعديل النشاط الصناعي القائم لجميع الشركات العامة الصناعية، بما يتفق مع أهداف المؤسسات التابعة لها، وتقديم الحوافز للقطاع الخاص المحلي والأجنبي للاستثمار في الصناعات النسيجية في نطاق المدن والتجمعات الصناعية والاهتمام بسياسات التسويق والترويج الداخلي والخارجي.
وفي مجال الاستيراد والتصدير، دعا الوزير إلى انتهاج سياسة حمائية لمدة محددة للنهوض بقطاع الصناعات النسيجية بما يتوافق مع سياسة إحلال المستوردات، وتقديم جميع أشكال الدعم المتوافقة مع المعايير الدولية للصادرات مع رفع القدرة التنافسية للمنسوجات والملابس والالتزام بالمواصفات والمعايير الدولية.
من جهة أخرى، تضمنت ورقة الصناعة سياسات إصلاح القطاع العام النسيجي بدءاً من زراعة القطن وصولاً لمنتجات الألبسة الجاهزة بكل أنواعها، والإجراءات التي تسهم في زيادة الطاقات الإنتاجية وتخفيض التكاليف وتسويق المخزون ورفع القدرة التنافسية للمنتج النسيجي السوري في الأسواق المحلية والعالمية.
وتمت الإشارة إلى أن مؤسسة الصناعات النسيجية حققت ربحاً بقيمة 855 مليون ليرة سورية هذا العام، مقارنة بخسارة قدرت بنحو 5.9 مليارات ليرة العام الماضي، إضافة إلى انخفاض المخازين نتيجة الإجراءات الحكومية المتخذة للتوجه نحو الإنتاج المسوق ذي القيمة المضافة العالية.
القادري ينتقد
أكد رئيس اتحاد نقابات العمال جمال القادري أن الخطوة الأولى في إصلاح القطاع العام الصناعي هي تحريره من بيروقراطية العمل الحكومي، منتقداً ما جاءت به وزارة الصناعة من مقترحات لإصلاح القطاع العام النسيجي، منوهاً بأنها دراسة تقليدية أكثر منها تحليلية، ولامست قضايا كان يجب ألا تلامسها، وابتعدت عن قضايا كان يجب أن توضع في صلبها، «لأن غايتنا في الإصلاح الوصول إلى قرارات».
وأضاف «هذه الدراسة انتهت إلى مقترحين، أولها عدم البدء بإصلاح شركات القطاع العام وترك شركات هذا القطاع تحت تصرف الحكومة لإحداث شركات خاصة، وهذا التوجه لا يعني أننا نتوجه لإصلاح هذا القطاع بل يعني إننا نتوجه لتصفيته، وهذا بالتأكيد لا ينسجم مع سياسة الحكومة، وقد يكون هناك سوء فهم مني أو سوء تقدير للدراسة المقدمة».
وبين القادري أن واقع القطاع العام الصناعي في مجال صناعات الغزل والنسيج يواجه تحديات ليست جديدة، إذ بدأت مشاكل هذا القطاع مع اتفاقية التجارة العربية الحرة في عام 2005، وقد أغلق حينها أكثر من 6 آلاف منشأة، مشيراً إلى أن مشاكل هذا القطاع بدأت عندما استهلكت وزارة المالية كل فوائض هذا القطاع، وتاريخياً لم تقم بأي عملية استبدال وتجديد في منشآتها، بالتالي أصبحت قيمة الكثير من خطوط الإنتاج عبئاً لأنها استهلكت عشرات المرات، مشيراً إلى أن هناك مشاكل كبرى في هذا القطاع والواقع العمالي مترهل.
وأكد أهمية تصنيع شركات هذا القطاع لما تحتاجه السوق، وما هو قابل للتسويق، لافتاً إلى أن هناك مشكلة إدارية في هذا القطاع، ولابد من إعادة النظر فيه، وهناك مشكلة بالتقانة والتكنولوجيا، ومشاكل بالروتين والبيروقراطية، مضيفاً «نريد لجنة محررة من مجمل التعقيدات والبيروقراطية».
نظام سرّي
تحدث وزير المالية مأمون حمدان عن نظام المحاسبة المالية والتكاليف، مؤكداً أنه لا يمكن عمل نظام واحد للتكاليف، باعتبار أن هذا النظام سرّي، لكن القانون أجاز فصل المحاسبة المالية عن التكاليف، مشيراً إلى أن النظام المالي المتبع اعتمد على معايير المحاسبة الدولية، لكن المشكلة لدينا بالتطبيق، «وللأسف، معظم الشركات في سورية مخالفة، وكان من المفروض أن تحاسب على ذلك».
وأضاف حمدان «إن تقييم أداء كل شركة أمر ضروري، ولكن لسنا قادرين على ذلك وفق ما هو مطروح، لأن هناك صناعات لا يمكن تقييمها، علماً بأننا لا نريد أن نثبط الهمم»، لافتاً إلى أهمية تقييم الأداء، مبيناً أن الوزارة سوف تضع دليلاً استرشادياً لتوحيد لغة التكاليف وتطوير الأنظمة الشركات.
من جانبه، انتقد رئيس اتحاد العمال جمال القادري ما جاء به وزير المالية حول وضع معايير تنطبق على كل الشركات، مؤكداً أن المعايير لا يمكن أن تنطبق على كل الشركات، لأن هناك شركات آلياتها قديمة لا تنطبق على غيرها.
بدوره، طلب رئيس مجلس الوزراء تكليف لجنة من وزارات المالية والصناعة والجهاز المركزي للرقابة المالية وهيئة التخطيط والتعاون الدولي بوضع دليل استرشادي لحساب التكاليف في الشركات العامة يراعي خصوصية عمل كل شركة وتوجهاتها.
أما وزير الاقتصاد سامر الخليل، فقد أكد أن «ما نحتاجه لإصلاح القطاع العام الاقتصادي هو توصيف شامل لكل القطاعات، عندها يتم اتخاذ القرارات المناسبة»، في حين بين رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي عماد الصابوني أن الغرض من وثيقة السياسات في أي قطاع اقتصادي هو معرفة إذا كنا نريد أن نحتفظ بمؤسساتنا العامة كما هي أم نريد تطويرها من الناحية المالية القانونية.. وغيرها، مضيفاً «لو كانت الإجابة نعم، فهذا يكون بعد معرفة الصعوبات والخطوات المرجوة من المقترحات، وإلا فإن المقترحات لا يكون لها معنى».
وأشار إلى أن مشروع إصلاح القطاع العام الاقتصادي يتطلب من وزارة الصناعة معرفة ماذا ستعمل بعد عشر سنوات، وما القاسم المشترك للشركات، خاصة وأن لكل شركة خصوصيتها من تكاليف ومدخلات ومواد أولية.. وغيرها، مبيناً أن لابد من وضع معايير معتمدة بأسس علمية حقيقية تصل إلى نتائج منهجية صحيحة.
تشكيك
شكّك الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء قيس خضر بمصداقية النتائج لعدم معرفة كيفية حسابها، فقد يكون هناك تستر على مظاهر غير سليمة، مضيفاً: «ما يهمنا اليوم هو وضع قيم حقيقية للتكاليف»، متسائلاً عن الجهة المعنية بمراقبة وتدقيق هذه التكاليف.
وتابع القول «إذا كان الجهاز المركزي هو المسؤول، فهل وصلت إليه الأرقام الحقيقية؟ لأن الأرقام تعطي قيمة حقيقية عن الواقع».
الأمر الذي دفع رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية محمد برق للتأكيد بأنه «لو أعطيت لنا أرقام صحيحة، فسوف تكون المعايير المقدمة من قبلنا صحيحة، بالتأكيد».
وبالمجمل تركزت المناقشات خلال الجلسة حول إعادة تأهيل وتطوير الشركات القائمة المستمرة في عملها عبر تحديث خطوط الإنتاج القديمة وإقامة محالج جديدة، ورفد الشركات باحتياجاتها من الكوادر ذات الخبرة والكفاءة، وتطوير أنظمة عمل الشركات، وربط الأجر بالإنتاج على التوازي مع تنشيط كافة الأعمال المجدية اقتصادياً، واستثمار البنى التحتية للشركات بالشكل الأمثل الذي يضمن تحقيق الجدوى الاقتصادية والحفاظ على الملكية العامة وحقوق العمال.