لمن لا يتذكر نريد التذكير أن أدوات الحرب الاقتصادية كانت مترافقة منذ بداية الحرب الفاشية على بلادنا مع الأدوات الأخرى، ولم تتوقف ليوم واحد أبداً، والعقوبات الجائرة على مؤسسات الدولة السورية ظلت ملازمة للإرهاب المعولم، الذي أطلق من أنحاء العالم كله باتجاه سورية «البنتاغون اعترف في إحدى وثائقه بوجود 82 جنسية من الإرهابيين»، ولذلك فإن محاولات بعض الصفحات المشبوهة، ووسائل الإعلام المجرمة لتخويفنا ودبّ الرعب في نفوسنا، لم تنجح أبداً.
ما يلاحظ مؤخراً أن هناك حملة واسعة تشن من قبل الأطراف نفسها بهدف ترهيبنا، وجعلنا نستسلم بعد هذه التضحيات الهائلة التي قدمها الشعب السوري، ومنها أن الاقتصاد السوري ينهار، وأن انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار سيؤتي ثماره، من خلال زيادة الضغوطات إلى أقصاها حتى يستجيبوا للمطالب الأميركية حسب ما يعتقدون، وهذا الأمر يتم تطبيقه بتوسيع دائرة الحصار لسورية من خلال ما يحدث في لبنان والعراق، والضغط والحصار الشديدين على إيران، من أجل تجفيف منابع الدعم المتبادل، أو الدعم الذي تقدمه أطراف محور المقاومة لبعضها البعض.
الحقيقة أنا لا أحاول كعادتي أن أسخف من حجم الضغوطات الأميركية الغربية أبداً، بل أريد الإشارة إلى بعض النقاط المهمة:
• لم يتوقف الحصار الجائر الاقتصادي على سورية، وكان هذا الحصار يترافق طرداً مع تزايد وتوسع الإرهاب، وعملياته بهدف تحقيق الأثر النفسي على القاعدة الشعبية السورية، وللتذكير ما بين (2011- 2012) كانت القرارات الأوروبية تتتالى مع ازدياد الدعم التسليحي والتمويلي المباشر للإرهابيين.
• ترافقت القرارات الغربية التي تمس حياة السوريين مع تدمير ممنهج للبنية التحتية للمدن والقرى (النفط- الكهرباء- المياه- الصحة- التعليم… إلخ)، ويمكن لأي مواطن سوري أن يطلع على الأرقام والإحصاءات لحجم الدمار الذي استهدفته التنظيمات الإرهابية طيلة سنوات الحرب.
* كان الهدف المباشر لكل هذا الإجرام والتدمير الممنهج تحويل سورية إلى (دولة فاشلة) تمهيداً لوضعها تحت الوصاية الدولية، وترتيب الأمور وفقاً لمصالحهم وأهدافهم، بحيث يأتون بحثالاتهم التي ربوها في الخارج لتتسلم الحكم، وليقدموهم كمخلصين منتظرين لمعاناة الشعب السوري [وهذه المرحلة فشلت وسقطت] لأن مؤسسات الدولة استمرت بعملها وخدماتها، ودفع الرواتب ومواجهة هذه المحاولات القذرة التي استمرت لسنوات.
* بعد تمكن الجيش العربي السوري البطل من تحرير مناطق واسعة من سيطرة الإرهابيين وداعميهم، وبدء إعادة الحياة الطبيعية إلى تلك المدن والقرى، انكشفت بوضوح شديد تلك الشعارات الواهية والكذب، والتضليل الذي مارسوه لسنوات بحق الفئات الشعبية، وتبين لهؤلاء أن الخلاص هو عبر الدولة ومؤسساتها، وأن الحامي الحقيقي لهم هو الجيش العربي السوري، وبالمناسبة كان الإرهابيون يدمرون كل أسس الحياة ومقوماتها قبل انسحابهم، والأدلة أكثر من أن تحصى، وللعلم فإن أحد المسؤولين الكبار عن السدود والموارد المائية قال لي إن خبراء أجانب متخصصين كانوا يقومون بتعطيل الكثير من الجوانب الفنية في السدود منعاً من الاستفادة منها، وإن عناصر مدربة كانت تشرف على كل ذلك التخريب، وإذا أخذنا قطاع النفط الآن، وما أعلنه ترامب وتدفق الخبراء من شركات في المنطقة نفهم أكثر من يقود ويدير ويدمر أسس حياة ونماء السوريين.
• بعد إخفاق كل هذه الأدوات، والأساليب، وتمكن الدولة من استعادة بعض العافية في العديد من المفاصل الاقتصادية، وتحرير مناطق واسعة جداً من الأراضي السورية، كان لابد من استمرار الضغط الشديد لمنع عودة الحياة إلى طبيعتها، ولهذا تمّ اللجوء إلى ما يمكن أن أسميه (تشديد الحرب الاقتصادية) مترافقاً مع حرب إعلامية مرافقة بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي، وتأليب الرأي العام، وتفكيك الحاضنة الاجتماعية الواسعة، وإنهاكها بعد سنوات الحرب والإرهاب والقتل والتهجير، ومن هنا نفهم لماذا تمّ تصديق ما يسمى(قانون قيصر) الآن، وإعادته للنقاش، وتسليط وسائل الإعلام المعادية الأضواء عليه، والتهويل علينا بأن الأمور تسير إلى الأسوأ بما فيها الانهيار.
بالطبع لا أقلل أبداً من قدرة خصومنا وأعدائنا، ولكن في الوقت نفسه لا أهول ما يحدث بحيث يتحول الأمر إلى حالة خوف جمعي يؤثر على رأينا العام، والطريقة التي يستخدمونها حالياً سبق أن استخدموها للوصول لما سماه الرئيس الأسد (الهزيمة الافتراضية) أي أن نقتل لدى الجميع الإحساس بالمبادرة، والمقدرة على المقاومة، والإبداع في الحلول، وهو ما يعمل عليه بعض اليائسين والسلبيين، والميئسين، والمهولين، حتى ليكاد المرء يعتقد أن الهزيمة حاصلة، وهو أمر استخدموه معنا في حالتين سابقاً:
– الأولى: ما سمي التظاهرات السلمية، حيث كانت قناة الجزيرة تضع خريطة سورية، وترسم عليها ما سموه بقمع التظاهرات بشكل واسع لتتوهم أن عدد المتظاهرين يعادل سكان سورية، ومع ذلك كنا نناقشهم بالرقم، والإحصاء، ونحبط هذه الفرضية.
– الثانية: حجم السيطرة على الأرض، وانتشار الجماعات الإرهابية على مساحة واسعة بغض النظر عن تسمياتها، لأن المشغل واحد، حيث كان يتم العمل عبر الخرائط لتوسيع السيطرة لإيهامنا أن الأمور منتهية، وعليكم الاستسلام، وفي جزء من هذا العرض كان هناك شيء من الحقيقة، ولكن ليس كلها، إلا أن الحكمة والصمود الأسطوري للشعب والجيش والقائد أحبطا هذه المحاولة.
الآن يريدون تكرار الطريقة نفسها، لكن عبر الحرب الاقتصادية، والتهويل علينا، لتحقيق هزيمة افتراضية لم يحققوها بأقسى الظروف، وهنا لابد من الانتباه من الصفحات الصفراء، ومن الضخ الإعلامي، ومن الادعاءات اليومية، ومن كثرة المنظرين الاقتصاديين الذين يهولون علينا، وكأننا أمام أول تجربة، أو كأننا في بداية الحرب، وليس لدينا تجارب لنتعلم منها.
إن أهم ما يجب العمل عليه حالياً هو التوعية المجتمعية، وتكثيف جهود المؤسسات المعنية الرسمية والشعبية، وضرب حلقات الفساد الوسطى والصغيرة التي تلعب دوراً سلبياً في الاختناقات والأزمات، وأما الفساد الكبير فأكرر أنه لابد من التعامل معه، كما التعامل مع الإرهاب وداعميه، فهؤلاء الحيتان سينتهي المطاف بهم، وبأموالهم في أحضان خصومنا، وأعدائنا، لأنهم جشعون أنانيون، لا يفكرون إلا بأنفسهم وثرواتهم، وإذا استطعنا تقديم محفزات للاستثمار الصغير والمتوسط، ودعم الزراعات الصغيرة، فهذه إحدى الأدوات الممكنة التي تعمل عليها الحكومة، والتي ليس المطلوب شتمها صباح- مساء، ولكن المطلوب تقديم المقترحات لها، والتعاون بين مختلف الجهات العامة والخاصة، للتخفيف من الحرب الاقتصادية التي تشن علينا بشراسة الآن.
ليس لدى أحد عصا سحرية نعرف ذلك، لكن المطلوب دينامية أسرع، لتوعية الرأي العام وزجّه للمساعدة، وليس تأليبه كما يفعل البعض على طريقة (الصراخ والعويل) من دون مبادرة.