ثقافة وفن

الفن اليوم لا يُصنع بديكتاتورية الأستاذ … كرم الشعراني لـ«الوطـن»: التمثيل لا يدرّس بل يُصقل… والفن قائم على تبادل وجهات النظر

| سوسن صيداوي

عندما نسأل عنه يأتي الجواب: «بأنه ممثل ملتزم وجّادٌ جداً في مهنته». بمثابرته تمكّن من إجادة فنه منذ تخرجه سنة2011 من«المعهد العالي للفنون المسرحية»، عندما اعتلى خشبة المسرح وامتطى الركب مستخدماً مرونته باكتساب كل ما أمكن من مهارات في عرض«سيلكون» بإشراف النجم عبد المنعم عمايري. الحديث أعلاه يعود للممثل والمساعد مدرس والمعيد في المعهد العالي للفنون المسرحية كرم الشعراني، الذي وُلد درامياً من الخاصرة في الجزء الثاني للمسلسل، لتتتالى وتتنوع الارتقاءات بحثيث الخطوات الواثقة والثابتة في الحضور مع أهم المخرجين سواء في المسلسلات: (أيام لا تنسى، شوق، مسافة أمان، كونتاك، الحرملك، ناس من ورق، خاتون2) أم في السينما نذكر:(مسافرو الحرب، أمينة، نجمة الصبح، عزف منفرد، مطر حمص). إلى جانب حضوره السنوي على المسرح ومؤخراً في عرض (طميمة)، معززاً موهبته بصقل أدواته، وبتحقيق النجاحات.

للمزيد نترككم مع الممثل كرم الشعراني بحوار مع «الوطـن»:

لنبدأ بالحديث من آخر إطلالة لكم عبر مسرحية (طميمة) العرض الذي تمدد لمرات عدّة.. برأيك سبب هذا النجاح هل يعود لجودة النص أم قدرات الممثلين أم لاحترافية المخرج عروة العربي؟
في الحقيقة عرض مسرحية (طميمة) هو من أكثر العروض المحببة بالنسبة لي، بل هو أفضل عرض قدمته، وسبب نجاحه يعود لاكتمال عناصره الثلاثة التي ذكرتها أنتِ، والشيء الجميل في عرض(طميمة)، أولاً يعود للظرف الذي بُني عليه النص وظرف الحكاية التي تخص وجع كل مواطن سوري بل وتخص وجع الشارع كلّه، كونها طرحت خمسة نماذج هي موجودة ضمن شارعنا، ومن جهة ثانية الكيمياء العالية التي جمعت بيننا نحن الممثلين، إضافة- وهذا رأيي الشخصي- أنّ المخرج عروة العربي، أنا أجده من أفضل المخرجين المسرحيين السوريين، فهو يعرف ما يريد ومدى الرسالة التي يرغب بتوجيهها، كما أنه قادر على ضبط ما أسميه (ثعلب الإيقاع المسرحي)، بل وحريص على ألا يفلت منه انتباه الجمهور ولو لدقيقة واحدة.

ما رأيك بفكرة إعادة عرض مسرحيات محمد الماغوط ودريد لحام؟

في ظل تطور المسرح السوري لا يمكننا أن ننكر عظمة تاريخ مسرحيات محمد الماغوط ودريد لحام، التي كانت -كحال المسرح عموماً- مبنية على المباشرة من خلال طرح الفكرة أو من خلال ما يريد الكاتب أو المخرج، في حين المسرح اليوم بعيد عن المباشرة بالطرح ويعتمد على الرمزية بحيث يترك للمشاهد فسحة للتفكير، بإثارة مشاعره وتأويلاته الخاصة والحرة، هذا وبالمقابل نحن اليوم في عصر السرعة والتكنولوجيا ولا يمكننا أن نُحضر مُشاهداً ليتابع عرضاً مدته ثلاث ساعات، فهناك قلة من الأشخاص القادرة على الابتعاد عن الجوال أو لديها القدرة على الاستمرار بالمتابعة والتركيز لوقت طويل، هذا عدا عن عدم توافر الإمكانات الخدمية-كالتكييف والمقاعد المريحة-القادرة على استيعاب الجمهور، وللأسف اليوم كلنا على علم بأن إمكانيات المسرح متواضعة وتعتمد على الممثل والمخرج والنص أكثر من أي شيء آخر بالدرجة الأولى.

المسرح ماذا يعني لك؟ وهل ستبقى مواظباً عليه حتى لو بقيت الأجور كما هي أو تطور عملك وشَغَلَتكَ الأعمال السينمائية والدرامية؟

الصعود على الخشبة وتقديم العروض بمثابة إن صح التعبير(إعادة التحديث)، من حيث تحديث وصقل أدواتي وتطويرها، مع تمرين ذهنيتي وطريقة تفكيري، لأن النشاط المسرحي هو الفن الأصعب، وخلاله يختبر الممثل نفسه أمام ذاته بالدرجة الأولى وأمام المشاهد بالدرجة الثانية. أما بالنسبة إن شغلتني الأعمال السينمائية أو الدرامية عن المسرح، فجوابي: منذ تخرجي من عام2011 لم أنقطع عن المسرح وقدمت خلاله ستة أعمال، وفي السنوات التي لم أشارك، كنت مساعد مدرس ومعيداً في المعهد العالي للفنون المسرحية، إذاً أنا على تواصل دائم مع الخشبة. أما بالنسبة للأجور أنا هنا أؤكد ولا أقدم للقراء نوعاً من الرومانسية المسرحية، إضافة لما ذكرته أعلاه حول ضرورة المشاركة بالعروض المسرحية (إعادة التحديث) نحن كممثلين نقصد الحصول على النشوة الروحية التي نشعرها عند نهاية العرض أو خلال البروفات، والمردود المادي ليس باعتبارنا بتاتاً.

حدثنا عن التدريس بالمعهد العالي وخصوصاً بأنك شاب وعمرك قريب من الطلاب.. بماذا يُغني التدريس شخصيتك وما مدى إسهامه في تطوير مهنتك كممثل؟

في الحقيقة التدريس قائم على الاستفادة والإفادة، بمعنى أنا أستفيد من المادة التي أدرسها للطلاب بقدرهم تماماً، اليوم أبلغ سنتي الرابعة كمساعد مدرس، وأيضاً في السنوات الأربع أنا معيد للسنة الثالثة لمادة شكسبير أو مادة المسرح الكلاسيكي، وهي من أصعب أنواع المسارح كون نصوصه باللغة العربية الفصحى، الأمر الذي يصيب الممثل بحالة من الجمود أو التوتر أو على سبيل التعبير حالة من التخشّب الجسدي، فلكسر هذه الحالة ولتطويع الأدوات المسرحية سواء مع العربي الفصيح أم اللباس الكلاسيكي هي مهمة جدّ صعبة، ولكنها في نفس الوقت تُغني الشخصية، أما بالنسبة لعلاقتي مع الطلاب فهي تنطوي على الزمالة والصداقة أكثر ما هي علاقة طالب وأستاذ، والفن اليوم لا يُصنع بديكتاتورية الأستاذ التي نشاهدها في المدارس أو في الجامعات، بل الفن قائم على العلاقة والذهنية المتبادلة من وجهات النظر والتي دائماً يتم النقاش فيها على الخشبة أو في التحضيرات، إذاً التمثيل لا يدرّس بل يُصقل، وبالتالي أفضل ألا تطلق علينا تسمية مدرس بل مشرف أو مساعد مشرف.

حدثنا عن تجربة التقديم في البرامج التلفزيونية ببرنامج (شغل شباب)، ماذا أضافت لك من جهة، ومن جهة أخرى لاحظنا توجّه نجوم التمثيل نحو تقديم البرامج… برأيك هذه الاختيارات من المحطات هل تعود لعدم كفاءة ومهنية وانعدام ثقافة المذيع، أم لأن للممثل كاريزما وحضوراً قادراً على استقطاب الجمهور وكسب القلوب انطلاقاً من مهنته؟

لقد أضافت لي هذه التجربة الكثير من الأمور الإيجابية، أولها التواصل المباشر مع الكاميرا الذي أكسبني عفوية يحتاجها كرم الشعراني بشخصيته الطبيعية وليس كممثل، وبالطبع التجربة ليست بالهيّنة كونه مطلوباً منا خلال ظروف التقديم المتقلبة والمتنوعة ذهناً حاضراً وبديهة سريعة، وتركيزاً عالياً، وبالتأكيد أنا أحب تقديم هذه النوعية من البرامج فالأمر يستهويني لكوني درست الإعلام لمدة ثلاث سنوات وتركتها من أجل الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، أما بالنسبة للممثلين وتوجههم نحو تقديم البرامج، أنا أرى أن القضية بحاجة إلى أكثر من موهبة أو من كاريزما، بمعنى أن البرامج اليوم بحاجة لتسويق وإلى نوع من الأشخاص القادرين على جذب نسبة مشاهدات كبيرة، وقدرة على استقطاب تسويق جيد بنسبة مهمة للإعلانات، إذاً الأمر لم يعد يقتصر على الكفاءة والموهبة فقط، وأظن أنها متوفرة بنسبة لا بأس بها لدى خريجي كلية الإعلام. وأحب أن أشير إلى أن ثقافة الإعلام اليوم أصبحت متجهة نحو التسويق والمراهنة على البرامج والمحطات من حيث نسبة الإعلانات والمشاهدات، ولهذا اتجهت الغايات لتلبيتها.

برأيك هل يتعارض التعليق الرياضي مع التمثيل.. ولماذا لا تتجرأ وتُقدم على هذه التجربة كونك عاشقاً ومتابعاً غير عادي لمباريات كرة القدم؟

بالنسبة للتعليق الرياضي بالفعل أنا قلتها مرة (لو لم أكن ممثلاً لكنت معلقاً رياضياً)، وهنا الأمر لا يعتمد على الجرأة لأن الممثل لا يستطيع أن يمتهن أي مهنة أخرى، فحتى تجربة التقديم في (شغل شباب) لو لم نقدمه من مبنى الإذاعة والتلفزيون وفي ساعة ويوم محددين، لربما تمنّعت عن هذه التجربة، وبالعودة للتعليق الرياضي هذا بالذات يحتاج إلى تفرّغ شبه تام لضرورة متابعة المباريات بزمانها ومكانها، الأخير الذي يتطلّب التنقل والسفر، وهذا سيتعارض مع عملي كممثل، وسأركز هنا على نقطة مهمة، ربما التجربة الإعلامية لن أكررها من منطلق أنني من الأشخاص الذين يفضلّون الاختصاص، إذاً الموضوع لا يتعلق بالجرأة وأظن أنها ستبقى أمنية بحد ذاتها لما تحتاجه من تفرغ تام.

قلت مرة إن السينما تخلّد أعمالها التي يمكن تذّكرها وإعادة مشاهدتها ولو بعد مئة عام بعكس التلفزيون الذي تُنتسى مسلسلاته.. ولكن ما نلحظه اليوم مخالف لهذا الكلام.. بمعنى عرض المسلسلات القديمة على قناة (لنا) فيه الكثير من التأييد والاستمتاع من المشاهد مع التأكيد على جودة الأعمال أو العكس.. ما تعقيبك؟

هذا الكلام صحيح مئة بالمئة، واليوم قناة (لنا) تعيد عرض مسلسلات سورية وهي تاريخ مهم وإرث لدرامانا، ولكن ما قصدته بخلود السينما بأننا في أي يوم وفي أي ساعة يمكننا أن نطلب فيلماً سينمائياً من المراكز المختصة ببيع الأفلام وبإمكاننا أن نجده، في حين على صعيد المسلسلات فنحن لا يمكننا متابعة إلا المسلسلات الجديدة أو المنسوخة على الـ(DVD)، أما بالنسبة للقناة فكم سننتظر وجود محطة سياستها عرض الأعمال الدرامية السورية القديمة في ظل المحاربة والمقاطعات التي تتعرض لها درامانا، والسؤال الذي يطرح نفسه إلى متى ستدوم سياسة هكذا قنوات وهل سيبقى تمسّكها وتوجهها بالتزامها هذا خالداً؟… هنا لا أوافقك بالرأي، فهكذا قناة لديها المعرفة والدراية عن تواجد هذه المسلسلات، وعن الشركات المنتجة لها مع القدرة على شرائها، على حين في السينما الموضوع مرن ومتوفر بعكس إمكانية توافر مسلسل، بمعنى أننا لن نجد مسلسل (نهاية رجل شجاع) أو مسلسل (التغريبة الفلسطينية) على أقراص الـ(DVD)، في حين يمكننا أن نطلب فيلم (رسائل شفهية) من عام 1989، وفيلم (ليالي ابن أوى)، وفيلم (نجوم النهار) وفيلم (كومبارس) والكثير من الأفلام التي لها سمعة في تاريخ السينما السورية، فيمكننا أن نجدها بعد مضي أكثر من ثلاثين عاماً على إنتاجها وهذا ما قصدته بخلود السينما.

في الختام… على الصعيد الشخصي قلت سابقاً إن (عملك خط أحمر) ما يقتضي بأن تكون أنانياً بالدرجة الأولى.. هل هذا ما عكس على حياتك الشخصية أو سيؤثر على ارتباطك بالمستقبل؟

أنا أظن أن أي ممثل عمله هو خط أحمر، وعلى صعيد شخصي لم يؤثر عملي على حياتي الاجتماعية ولا على تجربتي السابقة بالزواج ولا بعلاقتي مع الأهل أو المجتمع، وصحيح أن الضغط يزيد في أيام التصوير ولكن هذا لا يؤثر على العلاقة سلباً، وبالطبع من هو قريب مني ويعرفني جيداً، هو على دراية بمهنة التمثيل ويعلم جيداً مقدار التفرّغ والجهد والوقت في التدريبات والتحضيرات، فأنا دائم التواصل مع عائلتي وربما الزيارات أقل والسبب لأنني أقيم هنا وعائلتي في السلمية، وفي النهاية عندما أقرر الارتباط ستكون شريكتي على دراية تامة بمهنتي وآثارها وظروفها، فهذا يجب أن يكون مفهوماً ومن البداية ولا أظنه سيؤثر على الارتباط لأنه سيكون محسوماً من قبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن