قضايا وآراء

المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية وأنقرة

| تحسين الحلبي

منذ بداية أزمات «الربيع العربي» الموجهة ضد دول وطنية وقومية عربية في المنطقة ونحن نشهد تدخلاً تركياً وإسرائيلياً وأميركياً بجميع أشكاله العسكري والسياسي والإعلامي ضد سورية، والعامل المشترك بكل هذا التدخل يلتقي مع مصلحة إسرائيل الاستراتيجية ضد سورية وفي المنطقة كلها والسؤال هو: ألا يعرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه الحقيقة؟
الجميع يرى منذ بداية الحرب على سورية أن تل أبيب قدمت الدعم والمساعدات العسكرية والاستخباراتية لعدد من المجموعات الإرهابية التي تمركزت عند حدود سورية الجنوبية قرب الجولان المحتل، وهو الدور نفسه الذي قامت به أنقرة حين فتحت حدودها لجميع أنواع المجموعات المسلحة الإرهابية للدخول إلى سورية، والجميع رأى أن أنقرة زعمت أنها باسم محاربة الإرهاب تتخذ هذه السياسة، وكذلك فعلت إسرائيل، وفي النهاية وجدنا أن الطرفين استخدما وسخرا المجموعات المسلحة لخدمة أهدافهما ضد سورية إلى أن توجت أنقرة هذا التدخل غير المسبوق باحتلال قرى وأراضٍ سورية تحت الشعار نفسه وهو ما قامت به واشنطن نفسه حين نشرت عدداً من وحداتها بحجة محاربة الإرهاب ودعم المجموعات الكردية والمسلحة في شمال شرق سورية.
وعلى ساحة المنطقة لم تتعارض مصالح الطرفين في علاقاتهما مع قطر الدولة التي لم تتوقف حتى الآن عن شن أكبر الحروب الإعلامية والتضليلية على سورية.
كما لم تتعارض مصالحهما مع مصالح المدافع الأكبر عنهما وهو الولايات المتحدة برغم بعض التعارض الثانوي التكتيكي مع سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهذا ما يؤكده عدد من الدراسات والأبحاث التي نشرها المركز الأميركي للأبحاث والاستشارات السياسية «راند» عام 2018 ومركز «توب سنتر» الأميركي الذي يستهل تحليله لهذه المصالح بالاعتراف «بوجود مصالح مشتركة عليا لإسرائيل وتركيا في المنطقة وضد سورية برغم بعض المصالح الثانوية التي تثير الخلاف بين الطرفين» والواضح أن أنقرة تقدم الدعم السياسي والدفاع عن كل دولة في المنطقة تقف ضد سورية ومن الطبيعي أن يشكل أي ضعف في قوة سورية أكبر خدمة لأهدافها التوسعية، فأنقرة تدرك أن الجيش العربي السوري وحلفاءه في المنطقة وعلى مستوى روسيا والصين سيضع على جدول عمله في الوقت المناسب وفي ساعة الصفر إستراتيجية مهمة إخراج كل القوات غير الشرعية الأجنبية من أراضيه، وهذا يعني أن القيادة السورية ستعمل بكل ما لديها من قدرة على زيادة قوة الجيش العربي السوري وتمتين تحالفاتها الإقليمية والدولية لتحقيق هذا الهدف، وهذا يعني أن كل غارة إسرائيلية على الجيش العربي السوري تشكل مصلحة ملموسة وواضحة لأنقرة مثلما تشكل كل عملية إنشغال عسكرية للجيش العربي السوري في شمال سورية مصلحة إستراتيجية لإسرائيل التي ستعد كل زيادة في القوة العسكرية التركية في المنطقة قوة احتياط لها لأنها الدولة الوحيدة في المنطقة العضو في حلف الأطلسي الذي ترتبط إسرائيل بإستراتيجيته في المنطقة والعالم حتى لو لم تكن عضواً فيه.
إن إسرائيل لا تخشى من توسع النفوذ التركي لأنه لا يهدد وجودها، ولأن سياسة أنقرة الخارجية تجاه إسرائيل هي سياسة الحلف الأطلسي والولايات المتحدة نفسها، أما قضية فلسطين التي تحاول أنقرة الاتكاء عليها فلا يتجاوز سقف السياسة التركية فيها سقف سياسة بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
ولذلك تتوقع معظم مراكز الأبحاث والدراسات الأوروبية والأميركية التي تتناول موضوع أنقرة وطريقة إدارتها للسياسة الخارجية مع موسكو وطهران في الموضوع السوري أن يبدأ في عام 2020 ذوبان نسبة كبيرة من دفء علاقات أردوغان مع موسكو وطهران، وتحول هذا الدفء إلى الدول والأطراف التي يلتقي معها على مصالح توسعية مشتركة فعلاقاته مع موسكو وطهران لم يكن يرغب في أن تصل إلى درجة تنقطع فيها مصالحه مع الأطلسي والولايات المتحدة وإسرائيل. ولا أحد يشك بتقدير معظم مراكز الأبحاث أن موسكو وطهران هما أكثر من يدرك هذا الاحتمال ويضعان له حسابات مسبقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن