قضايا وآراء

حصن الإرهاب والدسائس

| أحمد ضيف الله

بعد انتهاء المراسيم الشعبية الضخمة في تشييع شهداء الحشد الشعبي في الـ31 من كانون الأول الماضي الذين ‏سقطوا نتيجة القصف الأميركي لمقرات اللواءين 45 و46 في الـ29 من الشهر ذاته، والذي أسفر عن استشهاد 28 مقاتلاً وجرح 51 ‏آخرين‏ توجه الآلاف من المشيعين إلى مبنى السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في بغداد رافعين الأعلام العراقية وأعلام الحشد الشعبي، احتجاجاً على القصف الأميركي، ورموها بالحجارة، وأشعلوا النيران في مدخلين لها، ونصبوا خياماً للاعتصام أمامها، إلا أنهم انسحبوا من المكان بعد يومين، استجابة لبيان الحشد الشعبي الذي دعاهم إلى «الانسحاب احتراماً لقرار الحكومة العراقية التي أمرت بذلك وحفاظاً على هيبة الدولة»، ليقيموا خيام اعتصامهم في الجهة المقابلة للسفارة على الضفة الأخرى من نهر دجلة.
السفارة الأميركية في بغداد كانت قد افتتحت في الـ5 من كانون الثاني 2009 بحضور الرئيس الراحل جلال الطالباني ونائب وزير الخارجية الأميركية جون نكروبونتي، والسفير الأميركي في بغداد رايان كروكر، بتكلفة إنشائية تخطت الـ592 مليون دولار، وهي تعد الأكبر في العالم، حيث تبلغ مساحتها نحو 437 ألف متر مربع، ما يساوي مساحة جمهورية الفاتيكان تقريباً، وما يعادل مساحة 44 ملعب كرة قدم، ومجمع السفارة مكون من 21 مبنى، إضافة إلى مباني محطات الطاقة الكهربائية ومعالجة المياه والنفايات، ونظام تنقية الهواء من أي هجوم كيماوي أو بيولوجي، ومهابط للطائرات، والعديد من المنشآت الترفيهية كدور العرض السينمائية والمطاعم ومراكز التسوق والمسابح وملاعب كرة السلة والقدم وصالة رياضية ومجمعات سكنية.
هذه السفارة التي تحميها قوات المارينز، لها خمسة مداخل شديدة الحراسة، إضافة إلى مدخل طوارئ، وهي محاطة بـ3 أطواق رئيسة من الأسوار، والعديد من أبراج المراقبة العالية، المشيدة من الخرسانة المسلحة الكافية لتشتيت أي قوة انفجارية ناتجة عن تفجير سيارة مفخخة أو صواريخ، كذلك جدران مبانيها، إضافة إلى أطواق من الأسلاك الشائكة، وجدار من الأكياس الرملية.
المستعمرة الأميركية في بغداد، المزروعة وسط المنطقة الخضراء حيث مقار رئاسات الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي والعديد من المؤسسات الحكومية، ليست سفارة دبلوماسية عادية، وإنما هي مركز قيادة متقدم لإدارة العمليات العسكرية الميدانية في الشرق الأوسط، ومركز استخباري ضخم مجهز بأحدث أجهزة التشويش والتنصت، لإدارة عمليات التآمر على عموم المنطقة، فيما يثير وجود 16 ألفاً من الموظفين المصرح بهم في السفارة الشكوك والريبة حيال العمل والأدوار التي يمارسونه، وخاصة في ظل الحديث عن وجود أضعاف هذا العدد غير المصرح به، وما يحكى عن وجود منشآت سرية تحت الأرض وأنفاق دخول وخروج للسفارة غير معروفة.
واشنطن لم تلتزم باتفاقية الإطار الإستراتيجي والأمني الموقعة مع بغداد في الـ17 من تشرين الثاني 2008، والتي لا تسمح للولايات المتحدة بالوجود العسكري أو إنشاء قواعد عسكرية لها في العراق، كما لا تسمح لها باستخدام الأراضي العراقية للاعتداء على أراضي غيرها. وقد خرقتها، بوجود أكثر من 15 ألف جندي أميركي موزعين على قواعد عدة، كان رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي قد سهل وجودهم وتغاضى عن أعدادهم على أنهم مدربون واستشاريون من قوات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في العراق! متجاهلاً الرد على تساؤلات النواب بشأن الأعداد الدقيقة لهم، علماً أن القوات الأميركية باتت تعتدي على السيادة السورية انطلاقاً من الأراضي العراقية.
إن جريمة اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي جمال جعفر محمد علي الإبراهيم التميمي «أبو مهدي المهندس» فجر الـ3 من كانون الثاني الجاري، هي خرق سافر للسيادة العراقية وانتهاك وقح للمواثيق الدولية، ومن ثم صار لزاماً إلغاء الاتفاقيات المعقودة مع أميركا، وطرد قواتها من العراق، بالعمل السياسي، أو بالقوة إن لم يلتزموا بقرارات الشعب العراقي، وإخلاء السفارة الأميركية في بغداد، واستعادة أرضها التي منحها لهم رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي في حينها، وإحالته ومن شارك معه إلى القضاء لمحاسبتهم، وللوقوف على أسرار منحهم المساحات الواسعة في المنطقة الخضراء إلى واشنطن، وهل حصلت بغداد على مقابل، أو وعد في بناء سفارة مماثلة في أميركا؟
السفارة الأميركية في بغداد تجاوزت الوظائف الدبلوماسية المتعارف عليها، متحولة إلى وكر إرهابي لإدارة الملفات التخريبية، وقاعدة أساسية لإدارة المشروع الأميركي والصهيوني في المنطقة، وقد آن أوان إخلاء حصن الإرهاب والدسائس هذا من القتلة، واجتثاث الاحتلال الأميركي من سورية والعراق. أما من حذر بمكبرات الصوت من مبنى المطعم التركي في ساحة التحرير في بغداد، المتظاهرين بعدم الالتحاق بإخوانهم المحتجين أمام السفارة الأميركية، فهم أنذال، وعلى شرفاء الشعب العراقي طردهم من الساحة بالأحذية.. وليتكرم أنصار التيار الصدري علينا بالصمت، فقد قرفنا من تصريحاتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن