اقتصاد

الجانب القانوني في قضية «غصن» رجل الأعمال اللبناني

| المحامي عبد الفتاح الدايه

ضجّ العالم ووسائل الإعلام وعالم المال والأعمال بقضية رجل الأعمال اللبناني كارلوس غصن، وهو مواطن لبناني يحمل الجنسيات اللبنانية والبرازيلية والفرنسية ويعمل في قطاع السيارات ويرأس شركة نيسان اليابانية وشركة رينو الفرنسية وله باع وسجل طويل في هذا المجال، إلا أنه منذ فترة واجه تهماً تتعلق بالتهرب الضريبي ونحو ذلك وتم توقيفه في اليابان مقر شركة نيسان، ثم أخلي سبيله بموجب كفالة مالية وتم وضعه تحت إقامة جبرية بموجب القانون الذي يتوحد تقريباً في كل دول العالم على اشتراط بقاء من يتم إخلاء سبيله بمكان إقامة ضمن دائرة المحكمة، إلى هنا فإن إخلاء سبيل غصن كان قانونياً ووضعه ضمن الإقامة الجبرية إذا صحت التسمية أيضاً كان تصرفاً قانونياً، ولكن ما حدث الأسبوع الماضي أن العالم استفاق على وصول كارلوس إلى لبنان وسط دهشة عارمة ظهرت حتى على فريق الدفاع الذي يتولى مهمة الدفاع عن غصن في المحاكم اليابانية، خرج غصن ببيان أوضح أنه لا عدالة في اليابان ولذلك كان قراره وخياره.
لن نهتم هنا بالدفاع عن غصن أو إبداء أي رأي في القضية بشكل تفصيلي فلا معلومات كافية حولها، ما يهمنا في الحقيقة هو الإجابة باختصار عن التساؤلات التي أثيرت حول الوضع القانوني الحالي لهذا المواطن اللبناني وعلاج الدهشة التي استباحت الجميع على خلفية وصوله لبنان، لاسيما وأن قضيته تصلح مثالاً قوياً جداً لشرح القضايا القانونية المُعقدة، ففيها تشابك كبير، فغصن يحمل ثلاث جنسيات، ويعمل بين باريس وطوكيو، ومطلوب للمحاكم اليابانية، وفر إلى لبنان، على حق من تاه في هذه التفاصيل فكل التفاصيل تبدو أسطورية أو هوليودية والحال القانوني هنا كان لفترة ما قبل حدوثه مع غصن مثالاً خيالياً يسُوقه أساتذة القانون في الجامعات لشرح قانون العقوبات، وها هو يحدث بالفعل وصار أمراً واقعاً مع رجل الأعمال الشهير.
أما في الوضع القانوني، فالمادة /30/ من قانون العقوبات اللبناني تنص أنه «لا يُسلم أحد إلى دولة أجنبية، فيما خلا الحالات التي نصت عليها أحكام هذا القانون، إلا أن يكون ذلك تطبيقاً لمعاهدة لها قوة القانون».
وبالتالي وبما أنه لا يوجد أي اتفاقية تعاون قضائي بين لبنان واليابان، وليس بينهم اتفاقية لتسليم السجناء أو المطلوبين للعدالة فلن تتمكن طوكيو من استرداده، ولو لجأت إلى الانتربول فسقف ما يمكن أن يقدمه الأخير هو إرسال بطاقة للبنان أو تعميم اسم المطلوب على المداخل والمخارج الحدودية من دون أي سلطة إلزام يجبر بها الحكومة اللبنانية على التسليم، وقد حدث ذلك فعلاً حيث أرسل الانتربول البطاقة للبنان وانتهى الأمر دون أي نتيجة، أما سقف تداعيات هذه البطاقة من الانتربول فهو أن يطلب القضاء اللبناني غصن للاستجواب وإجراء بعض التحقيقات فيقوم بعدها أو لا يقوم بأي إجراء بحقه، كل ما سبق يؤكد أن خيار أن تُسلّم الدولة اللبنانية المواطن غصن لليابان خيار معدوم وله خلفية ومستند قانوني لبناني، وحتى بموجب الاتفاقيات الدولية التي سنأتي على ذكرها لاحقاً.
هنا، من المهم ملاحظة أن غصن توجه إلى لبنان وليس إلى البرازيل أو فرنسا على الرغم من أنه يحمل جنسيتيهما، ومن الملاحظ أيضاً أن طوكيو على الرغم من مرور عدة أيام على وصول غصن إلى لبنان لم تتحرك قضائياً بشكل موسع أو دبلوماسياً بمستوى معين للتواصل مع لبنان، ما يؤكد أن طوكيو لم تهتدِ أو بالأصح لم تجد أي مخرج قانوني يسمح بالاسترداد، الأمر الذي يثبت صحة القراءة القانونية الواردة أعلاه.
أما من الناحية الأخرى، فيمكن للقانون اللبناني ولكون غصن مواطن يحمل الجنسية اللبنانية أن يُحاكمه بموجب القانون اللبناني إذا ما وجد حاجة وحقاً في توجيه أي تهم إليه، ولكن بالتهم الموجهة لغصن في اليابان فإن الأمر صعب للغاية، ذلك لأن القانون اللبناني لا يمكن أن يعاقبه عليها لكونه لا يُعاقب على التهرب الضريبي الذي حصل في دولة أجنبية، فالقانون اللبناني لا يملك التحرك ضد غصن في جرم لا يعاقب عليه أصلاً، ولذلك فإن الدولة اللبنانية فيما لو تلقت لاحقاً طلب لاسترداد وتسليم غصن فإن خيار الرفض ممكن استناداً لهذا السبب أيضاً، ناهيك عن أن غصن كان قد ألمح شاكياً إلى أن اضطهاداً سياسياً وقع عليه، وبالتالي هذا سبب آخر لرفض التسليم والاسترداد، فمن شروط الاسترداد اللبنانية ألاّ يكون في الأمر طابعاً سياسياً معيناً.
في دراسة حالة غصن القانونية لا بديل للخبير أو الباحث القانوني من العودة لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة، نلحظ مادة هامة ربما تكون ذات صلة بموضوع غصن وهي المادة /7/ منها حيث تنص على أن «يكون تسليم المجرمين خاضعاً للشروط التي ينص عليها القانون الداخلي للدولة الطرف متلقية الطلب أو معاهدات تسليم المجرمين المنطبقة بما في ذلك الشرط المتعلق بالحد الأدنى للعقوبة المسوغة للتسليم والأسباب التي يجوز للدولة الطرف متلقية الطلب أن تستند إليها في رفض التسليم».
هنا نلحظ مجدداً أن اتفاقيات تسليم المطلوبين للعدالة أخضعت تسليم المجرمين للشروط التي ينص عليها القانون الداخلي لكل دولة، وقد صار واضحاً بعد السرد السابق أن لبنان ووفقاً لقانون العقوبات خاصّة فإنه لا يسمح بهذا الإجراء، وهذه قواعد ونصوص قانونية قديمة لم تُفصّل على قياس غصن أو قضيته أو غيره.
أخيراً، يتبين باختصار أن تسليم غصن لطوكيو غير ممكن، ومحاكمته في لبنان على جرائم لا يعاقب عليها لبنان أيضاً غير ممكن، والخيار الوحيد ربما حسب المعطيات والمواقف الأخيرة هو استجواب غصن أمام القضاء اللبناني ومحاكمته فيما لو ثبت عليه أي جرم يُعاقب عليه القانون اللبناني، فالقضية برمتها لن تبقى مفتوحة بالمطلق على تطورات عديدة، فهي مُحكمة قانوناً بموجب نصوص واتفاقيات واضحة وصريحة، أما سياسياً واقتصادياً فمن الممكن أن يكون لصراع رينو الفرنسية مع نيسان اليابانية المحكي عنه ببعض الأوساط الإعلامية والتجارية وقع إيجابي على القضية لمصلحة غصن فيما لو كان صحيحاً، وكذلك فإن تمسك الدولة اللبنانية بحرفية نصها بموضوع الاسترداد وشروطه يمكن أيضاً أن يكون لمصلحة غصن، لاسيما وأنها لا تتركب أي تجاوز قانوني بهذا التمسك، والأكيد أن خطوة غصن الكبيرة بالنزول إلى لبنان من دون غيره كما أسلفنا ما كنت لتحدث لولا دراسته لكل هذه الأبعاد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن