قضايا وآراء

آخر أوراق واشنطن تحترق

| تحسين الحلبي

تثبت تطورات العدوان الأميركي على العراق في الأسبوع الأول من العام الجديد أن عراق ما قبل ليلة رأس السنة لن يعود نفسه في جميع الأبعاد، فقد شق العراق بموجب ما يرى الجميع، علناً طريقه نحو تحقيق جدول عمل ملح ولا رجعة عنه، ومن أهم مواضيعه إنهاء الوجود العسكري الأميركي في شمال شرق سورية، والذي سينضم بشكل طبيعي إلى جدول عمل سوري عراقي مشترك لإنهائه وتحصين الحدود السورية العراقية ضد جميع أشكال الإرهاب.
هذه الاحتمالات بدأ الإسرائيليون قبل غيرهم، يدركون خطرها على إسرائيل وأهدافها بعد أن أصبح الوجود البشري الذي سيجابه وجود القوات الأميركية في العراق وشمال شرق سورية يزيد على 140 مليوناً، يمتدون من إيران إلى العراق إلى سورية بشعار واحد: «فليخرج الأميركيون دون قيد أو شرط».
من الواضح أن الإدارة الأميركية عجزت بفضل إرادة هذه الشعوب الثلاثة، عن تقسيم العراق أو شق الطريق لتقسيم سورية في شمال شرقها، وأصبح وجود آلاف قواتها في أكبر الأخطار على كل شبر من منطقة وجودها.
هذا ما يمكن استخلاصه من آخر المحاولات التي بذلتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لزعزعة الاستقرار الداخلي للعراق قبل أسابيع قليلة حين استغلت تظاهرات مطلبية مدنية في بغداد لتحويلها إلى فتنة بين «جمهور عراقي» من جهة وجمهور عراقي آخر والحكومة العراقية من الجهة الأخرى، فقد ظهر تماماً وجود عناصر مندسة تخدم هذا الهدف الأميركي باستخدامها السلاح الناري في مرات عديدة ضد الجيش وقوات الأمن.
في أعقاب هذا الفشل الأميركي، لجأت الإدارة الأميركية إلى توجيه هجوم عسكري مباشر من قواتها داخل العراق ضد مواقع لـ«الحشد الشعبي» الذي يعد جزءاً من الجيش العراقي والمؤسسة العسكرية الرسمية، فارتكبت مذبحة غادرة، لأن وجود مواقع الحشد علنية ورسمية وهو لا يعد بقواته وقادته منظمة سرية تعمل تحت الأرض وبالخفاء، فكان هذا العدوان الأميركي أخطر من أي عدوان يقوم به من الخارج وأخطر من استهداف إسرائيل لبعض مواقع «الحشد الشعبي» وتجنب الاعتراف بمسؤوليتها، بل إن قادة الحشد وصفوه بإعلان الحرب على حكومة العراق وجيشها وشعبها ولا يمكن السكوت عنه تحت أي ظرف كان.
في ظل هذا الوضع وما أعقبه من عدوان غادر آخر على طريق مطار بغداد ومقتل عدد من قادة «الحشد الشعبي» وبعض قادة عسكريين إيرانيين في مقدمهم الجنرال قاسم سليماني ونائب قائد الحشد أبو مهدي المهندس، وتزايد تصعيد موجة الغضب الشعبي الشامل ضد القوات الأميركية، بدأت إدارة ترامب بآخر محاولاتها الرخيصة والمفبركة حين نشر وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو على موقعه من «تويتر» يوم الجمعة الماضي رسالة أرفق بها صورة تضم عشرة أشخاص على رصيف في بغداد ليلاً وكتب: «ها هم العراقيون يرقصون في شارع للحرية يشكروننا لأن الجنرال سليماني لم يعد في الحياة»، وكان ترامب قد طلب في تغريدة له على «تويتر» في الساعة الثامنة صباحاً يوم 31 كانون الأول 2019 من العراقيين الخروج إلى الشوارع للمطالبة بالحرية وجاء فيها نصاً: «إلى الملايين من العراقيين الذين يريدون الحرية ويرفضون هيمنة إيران هذا يومكم فاخرجوا».
وتغريدة ترامب نشرها الموقع الإلكتروني «ذا درايف» الأميركي في اليوم نفسه، وترافق مع دعوات ترامب، وبومبيو لاحقا، حملة حرب نفسية على العراقيين لتحقيق الهدف نفسه، شنتها قناتا «العربية»، و«الجزيرة» وغيرها من وسائل الإعلام التي وظفت نفسها في خدمة المصالح الأميركية.
استمرت هذه الحملة قبل أن تجف دماء الشهداء ولكن من دون جدوى، بل إن العدوان الغادر الأميركي أسكت أي صوت يعلو على صوت الشعب العراقي ومطالبته بطرد القوات الأميركية وإغلاق السفارة نهائياً، وهذا ما جعل رئيس تحرير المجلة الإلكترونية الأميركية «ديلي بيست» الواسعة الانتشار نوح شاختمان، يحذر من مضاعفات هذا العدوان ويقول رداً على تويترات بومبيو وترامب: «يجب الاستعداد لضربة كبيرة توجهها إيران وأعتقد أننا سنتلقى رداً هائلاً».
على المستوى الدولي يلاحظ الجميع أن أي حرب تشنها الولايات المتحدة مباشرة وبقواتها على إيران أو في العراق، ستكون هي حربها وحدها، لأن دول الاتحاد الأوروبي تحكمها خلافات واسعة غير مسبوقة مع إدارة ترامب، ولأن الاعتماد على مشاركة دول إقليمية في المنطقة مثل إسرائيل، سيوسع دائرة الحرب ويجعل إسرائيل وحدها تحارب على أربع جبهات، ولذلك يعتقد بعض المحللين في واشنطن بأن الحل أصبح أن تنسحب القوات الأميركية من العراق وتخرج واشنطن من هذه الورطة بماء وجهها وتتجنب المجابهة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن