ثقافة وفن

عكس المنطق

د. اسكندر لوقا

 

من الطبيعي أن تدفع الأحداث الساخنة التي يتعرض لها هذا البلد أو ذاك، أبناءه إلى طرح السؤال: أليس من المنطقي أن من يتحدث عن حقوق الإنسان ينبغي له أن يكون ممن يمارسها؟ وهل ثمة من خرق لحقوق الإنسان أكثر وضوحاً من أن يُهَجَّر إنسان من وطنه ويُهدَم منزله تحت شعار حماية حقوقه؟
في اعتقادي أن أسئلة كهذه لا بد أن تحيي في ذاكراتنا الجمعية لأبناء شعبنا صوراً عاشتها بلادنا لعقود طويلة وكانت مثالاً بشعاً على ادعاءات البعض من المستعمرين الذين لا يرون في بنود حقوق الإنسان سوى حقوق أبناء شعوبهم.
في سياق هذه المعادلة، ثمة من يعتقد أن حقوق الشعوب تموت مع مرور الزمن وعطفاً على هذا الاعتقاد راهن ويراهن أسياد الاستعمار الحديث على ضعف ذاكرة الشعوب العربية تحديداً وأنها لا بد أن تفقد شبابها عاجلاً أم آجلاً، ومن هنا يضاعفون مساعيهم لحمل أبناء هذه الشعوب على الرضوخ والقبول بالأمر الواقع وهذا ما ثبت لديهم في أحيان كثيرة، وخصوصاً على نحو المثل القائل: «إن لم تكن قادراً على كسر اليد فقبلها وادع عليها بالكسر».
وهذا ما يرويه التاريخ الحديث عندما نشاهد مظاهر الاستكانة لإرادة أعداء حقوق الإنسان الحقيقيين في الغرب عموماً وفي عدد من الدول العربية التي قبلت أن تنحني لتقبيل الأيدي ولكن مع تجنب الدعوة عليها بالكسر، ولأن سورية لا يمكنها الرضوخ لمثل هذا الأمر تعيش محنتها الطارئة هذه منذ أكثر من أربع سنوات، ولا تلين إرادتها رغم حجم ما يبذله أبناؤها، مدنيين وعسكريين على حد سواء، من تضحيات جسيمة.
إن مسلسل الادعاءات التي تصدر، يوماً بعد آخر، في العديد من عواصم القرار في الزمن الراهن لا يمكنها أن تضلل من يحسن تاريخ بلادنا، منذ عام 1516 عام بداية الاستعمار العثماني وصولاً إلى عام استقلالها في عام 1946 أو أن تجعله يؤمن بأن غاية المستعمر أياً كان هي، بالفعل لا بالقول، الحرص على حقوق الآخر، وخصوصاً عندما يكون هذا الآخر يملك مكونات النهوض ببلده ويراهن على دوره في تطوير ذاته وتخطي المصاعب.
إن سورية اليوم، إذ تقف على حافة مصير بين البقاء صامدة أو الاستسلام لإرادة أعدائها الآتين إليها من كل أصقاع الأرض، اختارت أن تكون المثل في الصمود، وأن تكون الرائدة بين الدول العربية في الدفاع عن حقوق أبنائها، وذلك بعدما قالت كلمتها الفصل في التصدي للعدوان، منذ بدايته، مهما كانت تداعياته في الحاضر والمستقبل، سورية هذه هي البرهان على قهر أعدائها والكشف عن زيفهم، والتاريخ المعاصر شاهد على ذلك.
في سياق هذه الخاطرة، لنقرأ قول الفيلسوف اليوناني القديم الكسندروس (258- 198ق.م): «من له وجهان لا وجهَ له على الإطلاق فاحذروه».
كذلك هو المستعمر اليوم الذي له ألف وجه ويعطيك من اللسان حلاوة كما يقال، فبأي منطق يمكن أن يصدق أبناء شعبنا أن المعتدين القتلة جاؤوا إلى بلادنا مدعين الدفاع عن حقوقهم؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن