الأولى

ارحل عن ظهورهم

| نبيه البرجي

حدّقوا الآن ملياً، في وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ألا يشبه… حائط المقبرة؟
ليس الوحيد الذي يدفع بالشرق الأوسط، وربما بالكرة الأرضية إلى المقبرة. بعضهم في العالم، من بقايا القرون الغابرة، يهزجون له. في المنطقة، ثمة من لا يشعر بالأمان إلا وهو بين براثنه.
الآتي من ليل الغانيات في لاس فيغاس بثقافة الكهوف، طرح نفسه على أنه من يعيد إلى «العبقرية الأميركية» توهجها، أن تتأرجح الأمبراطورية بين ليل الثريات وليل القبور، هو ذا يهوذا القرن العشرين يقترب من الخشبة.
حتى في أميركا يقولون: «إذا كانت الخرافة تقول إن الكرة الأرضية تقف على قرن ثور، ففي هذا القرن تقف على قرن الشيطان»!
ماذا لو لم يتم إبعاد الأزرار النووية عن أصابعه؟ هيستيريا الولاية الثانية تلاحقه (وتلاحقنا)، ثمة من رأى فيه الفقاعة التي تفتقد الحد الأدنى من المواصفات البشرية. هو يعتبر نفسه «قنبلة الله»، كما قال للصحفي والكاتب الأميركي جيفري غولدبرغ.
الولايات المتحدة تمكنت من بعثرة الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى، حتى الحلفاء تحولوا إلى أعداء في ما بينهم، قهقهات الكاوبوي تلعلع بين حجارة الشطرنج.
لكأننا عشية الحرب العالمية الثالثة أو غداة الحرب العالمية الثالثة أسوأ بكثير من سايكس- بيكو، أسوأ بكثير من البلقنة. كل ما يعني شايلوك الأميركي، بكل جبروته وبكل حماقاته أن يضع يده على ثروات المنطقة، نظرته إلينا: البشر ما دون البشر. الدول ما دون الدول المجتمعات ما دون المجتمعات.
المشكلة عربية بالدرجة الأولى، باراك أوباما قال لهم: «المشكلة فيكم»، ما فعله العرب بسورية، كانت ولا تزال رهاننا القومي والإستراتيجي، يفعلونه في ليبيا من دون أن يلتفتوا إلى ما يقوله القرن (لا قرن الشيطان)، وحيث لا مجال إلا للمنظومات الإقليمية بأبعادها السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، صراع المصالح بدلالاته واحتمالاته يكاد يتعدى الخيال.
حال العرب الآن كومة من الحطب وتنتظر عود الثقاب. المنطقة على حافة الانفجار الكبير، أولئك العرب ما زالوا في سراويل القناصل الديبلوماسية الميتة!
حتى المقاربة الكلاسيكية تشي بمن يصنع الديبلوماسية قوة الموقف، وقوة الرؤية، وقوة الإرادة، دونالد ترامب، وحتى اللحظة لا يجد فينا سوى الظواهر البشرية البائدة. إدارة تخلو من أي دماغ رؤيوي. ظاهرة هتلرية في البيت الأبيض، الهروب من المأزق الشخصي إلى تفجير الكرة الأرضية.
ذاك الاجترار العربي للسياسات المجنونة كيف، إذا كنا نعلم أننا لن نكون سوى الضحايا وسوى الموتى الذين لن يجدوا في هذا القرن موطئ قدم لذبابة؟
هل ترون غير رؤوس العرب معلقة على سور البيت الأبيض؟ كل الآخرين شيء آخر.
تلك العدمية، في الرؤية الإستراتيجية، ما دمنا نمارس العدمية الفلسفية، لا تمنعنا من الرهان على ضوء ما، في مكان ما من هذا السواد العظيم.
المسألة الآن بين أن نتلاشى (بقايا الحطب البشري) أو نبقى ونصرخ في وجه دونالد ترامب أيضاً، في وجه كل الديناصورات الذين في أميركا، وغير أميركا الذين يعقدون الصفقات، ويصوغون السياسات، فوق جثثنا التي آن الأوان لتقف على قدميها.
الآن، والنيران تتقاطع في الأفق. الدبلوماسية الكبرى أو الحرب الكبرى لحظة ذهبية لنقول لدونالد ترامب: ارحل عن ظهورنا، حتماً سترحل.
إذا لم يقولوا الآن ويفترض أن يقولوا، لتكن… رقصة التانغو مع العدم!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن