ثقافة وفن

الرحابنة والوطن

| إسماعيل مروة

هل سمعتم أهازيج الوطن وقصائده من سامع ناقد؟
هل حفظتم تلك القصائد الجزلة التي تملأ الأذن والفهم؟
هل استطبتم تلك الفخريات والعنتريات التي مارسها الشعراء والمغنون؟
على الرغم من الصوت العظيم، واللحن المهم والغاضب، والتعابير الجزلة لم تستطع تلك الأغنيات أن ترسخ بالذاكرة إلا عند عدد من المتخصصين الذين يوثقون!
وأطرف ما في الموضوع، ويعرفه العاملون في الحقل الإعلامي أن هذه القصائد، وعلى أهميتها وعظمتها توضع على الأرفف بأشرطتها، ويعلوها الغبار، وتنتظر من المناسبة إلى المناسبة! من الجلاء إلى الجلاء!
من ذكرى الثورة إلى ذكرى الثورة! من إنجاز أحد الثوار إلى وفاة آخر!
وعندما تأتي المناسبة تصحو الأسماع على قرع الطبول والنحاسيات والأغاني الوطنية، وكأنها اليوم ولدت، لا أثر لها في الذاكرة سابقاً، ولا ترجو أن تترك أثراً لاحقاً..!
المهم أن هذا الإعلامي يستدعيها ليسترجع بطولات وأمجاداً، كما تستدعي قصائد البطولة التي قيلت في صلاح الدين وخالد والقعقاع وحطين وعين جالوت والقائمة تطول إلى تشرين ونصره الحديث؟
في الشعر كان نزار قباني الذي مارس الأنسنة على الوطن، فخاطب دمشق: حبيبتي أنت ما فاستلقي كأغنية! استنكر المستنكرون ولكن دمشق صارت عظيمة أكثر، ولصيقة بالروح أكثر عندما تحولت إلى معشوقة، لا تستوضح السبب، هي النساء جميعاً، هي شامة الدنيا ووردتها، هي ميسون التي يحار الشاعر في عواطفها إن كانت قد أحبته أم لم تحب! هي التي قتله عشقها من تحت حجاب دون أن تفعل! هذا كله بعد أن كان الوطن بطولة وقسوة وجبروتاً وانتصاراً وفخراً، حتى في وقت الهزيمة!
فقد كانوا يرجعون إلى التاريخ القديم لاسترجاع وهم البطولة!
والرحابنة وحدهم أنسنوا أغنية الوطن والبطولة، وغنوا احكيلي احكيلي، وقالوا ببساطة، سنرجع يوماً، وغنوا للقدس رابطين الأمر بالمسيح والعذراء ومحمد، غنوا الحياة، رسموا الوطن غيماً أزرق، وجعلوا الشام حكاية عشق، وألحقوا الدنيا ببستان هشام لا ببطولاته وصولاته، وتحولت الشام عندهم مع سعيد عقل إلى أحباب، شآم أهلوك أحبابي، وكان الموعد مع الصيف مع الكرمة، وخمرة الحب، غنوا بلادي، غنوا لبنان، غنوا مجد الإنسان، ابتعدوا عن الشخصنة وغاصوا في الأنسنة، ابتعدوا عن القسوة، تركوا الماضي للماضي وعاشوا الحاضر، وترنموا ببلادي ببساطة الراعي والروزنة، ولأنهم البارعون غنوا القدس في باريس، كما فعل حليم بمسيح الشرق الذي صاغه الأبنودي، فقدمه على درب آلام فلسطين دون أن يكون مباشراً.
في كل صباح نسمع أغنيات فيروز للوطن
نترنم بها ونطلبها
نغني سوا ربينا كما نغني شآم أهلوك
نغني مرّ بي كما نغني يا عاقد الحاجبين
وحدها ترانيم فيروز للوطن نغنيها ولا نستحضرها
تعلو ألسنتنا ولا يعلو أشرطتها الغبار
تسبق إلى السمع قبل أن يطلبها أحدهم
تهرع إليها المناسبة والروح قبل أن تصل المناسبة
يا جبل الشيخ
خطة قدمكم عالأرض هدارة
بيي راح مع هالعسكر
ويبقى الرحابنة سمفونية وطن عرفوا كيانه بأرواحهم، ونافسوا أنفسهم في حبه ليذوبوا فيه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن