ثقافة وفن

عرض «التحفة» يقدّم المباشرة التي يحبها الطفل … جمال نصار لـ«الوطن»: علينا ألا نؤستذ بالمعلومة على الأطفال لأنهم يفكرون بالحكاية وفق أهوائهم

| سوسن صيداوي- تـ:طارق السعدوني

القيمة الحقيقية لـ«التحفة» هل تكون بمكوناتها المادية الداخلة في تصنيعها، أم بمضمونها الإنساني عبر الروح التي سكنتها حينما صنّعتها أو حافظت عليها لسنين طوال تلتها مئات وآلاف؟.
أسئلة قدمها العرض المسرحي «التحفة» لمؤلفها أحمد خنسة، ومخرجها جمال نصار، وممثليها: مأمون الفرخ، علي القاسم، باسل الرفاعي، بسام ناصر، موفق الأحمد، غسان الدبس، رضوان النوري، وسليمان قطان، والتي جاءت برعاية مديرية المسارح والموسيقا بدمشق، ضمن مجموعة من العروض المسرحية لفعاليات مهرجان الطفل المسرحي الذي استضافته تسع محافظات سورية. وللمزيد حول عرض «التحفة» نقدم لكم.

في القصة

كل من المؤلف والمخرج قدما نصاً يحمل أفكاراً عميقة، موجهة لفئة عمرية من الأطفال القادرين على استيعابها، رغم ذهول وململة بعض آخر هم أصغر عمراً، والذين قاموا أثناء العرض بطرح السؤال على الأهل من أجل شرح بعض التفاصيل، ولكن هذا لم يمنع من أن يستمر العرض ضمن حماسة جمهور الأطفال -ككل- الذين ملؤوا صالة مسرح القباني.
وبالعودة للأحداث التي تجمعها المسرحية، في بلد ما وزمان ما هناك ملك (باسل الرفاعي) يهوى التحف، ويقدم كل ما أمكن من الأموال مقابل الحصول على النادر منها، وهوسه وتوقه لتملّكها جعله يتناسى أمور مملكته ويتغيّب عن كل ما هو مهم ويدور بها، الأمر الذي نشر الجوع والفقر والمرض بين أبناء الرعية، فجهل بالشأن والهم العام وبمصاب الإنسان، وفي يوم من ذات الأيام يُؤتى إليه بتحفة نادرة، فيكلّف حارساً (علي القاسم) بالاهتمام بها وحراستها، لكن الأخير يحطمها، الأمر الذي يثير جنون الملك، وبالطبع كان يعاني الحارس وعائلته من الجوع والمرض، ويحاول استجداء شفقة الملك الذي يقرر قطع رأسه، بعدها يقصد القصر كل صائغ ذاع صيته بالمملكة كي يُصلح التحفة المكسورة، ومن بين الصياغ يظهر أحدهم ويستلم التحفة كي يصلحها، ولكن المفاجأة بأنه بدل أن يصلحها يقوم بتحطيم كل التحف، الأمر الذي يثير جنون الملك الذي يعلم أن الصائغ ما هو إلا حارس التحفة، والذي اتفق مع العجوز الحكيم (موفق الأحمد) على هذه التمثيلية كي يدرك الملك ما هو مفكر به، وأن هوسه بالحصول على الماديات جعله ينسى الأمور الأساسية في الحياة، وهي الإنسان صانع التحف والذي قيمته لا تفوقها قيمة.

وأخيراً لابد من الإشارة بأن الأحداث دارت بوجود شخصيات لممثلين- ذُكرت أسماؤهم أعلاه- جسدوها بقدرتهم التي تدل على باعهم الطويل وتأثيرهم الجاد في انتمائهم للطفل ولمسرحه.

الوجبة دسمة

المسرحية من إعداد وإخراج جمال نصار الذي كشف لنا عن عدة أمور تتعلق بالعرض المسرحي في حديثنا معه «بداية أشكر اللـه لأنني توفقت بالعمل مع مجموعة من الزملاء الأساتذة، الذين بدأنا سوية في مشوار مسرح الأطفال وتابعنا معاً، واليوم نحن في شراكة قوية وأنا بينهم كمخرج وهم ممثلون، هذا وأحب أن أشير إلى أن الممثل (باسل الرفاعي) الذي قام بدور الملك وبدور البطولة، كنت راهنت عليه ضمن هذه المجموعة، والحمد لله أدى دوره بشكل رائع ومميز، حتى (محمد قطان) و(رضوان النوري) لم يكونا غريبين عن النسيج المطلوب، رغم صغرهما في السن عن باقي الممثلين، على الرغم من أنهما يصعدان على المسرح لأول مرة».

وفي سؤال «الوطـن» له عن اختياره لنص ليس بالهيّن على ذهنية الطفل، وبحسب ملاحظتنا بأنه موجه لفئة عمرية معينة قادرة على الاستيعاب أكثر من غيرها ضمن الحضور، أجاب: «بالنسبة للنص بصراحة هذا الموضوع هو مشروع استغرق مني الكثير من السنوات، وبداية من لما قرأته، لفت نظري الوجبة الدسمة التي يقدمها للطفل، وبصراحة أنا مع ضرورة تقديم الترفيهي والمضحك، ولكن بنفس الوقت من الضرورة أن يساهم العرض في تحقيق التأثير وبأن نقدم له المعلومات ضمن إطار مبسّط، وهذا ما حصل ضمن عرض (التحفة) حيث كنا نمجد القيمة الحقيقية للإنسان، مع تسلسل الأحداث والمجريات التي طرحنا خلالها أيضاً المواقف الكوميدية المضحكة، إذاً من الضرورة أن نقدّم للطفل ما يثير خياله وأفكاره بالاتجاه الذي يتماشى مع تطوير ذاته لالتقاط المعلومات والثقافات الضرورية في بناء شخصيته، وأنا برأيي الأحفاد قد سبقونا والعصرنة التي ساهمت في تطوير عقولهم، وخصوصاً عبر الموبايلات التي تقدّم كل ما يحتاجه الطفل من موسيقا ومسرحيات وكل معلومة يطلبها عبر التطبيقات المتاحة، وصدقاً أحفادي سبقوني بالتفكير وحتى في مواكبة كل تطور على الرغم من أنهم لازالوا بعمر خمس وسبع سنوات، وهذا الأمر يتطلب منا الانتباه في طرح أفكارنا من حيث معاملة الطفل على أنه واعٍ ومدرك لكل ما حوله، بمعنى أن الطفل يحب المباشرة ويجب أن نقدم له المعلومة من دون أن نؤستذ عليه، وأن يفكر ضمن الحكاية المطروحة ولكن وفق الأسلوب الذي يهواه».

اختيار النصوص الحقيقية

في سؤال «الوطـن» عن أهمية ودور المسرح في التربية جدياً مع إحداث التأثير في نفوس الأطفال، أشار المخرج والممثل المسرحي بسام ناصر والذي جسد في المسرحية دور قائد العسكر أن المسرح له دور كبير وأساسي في تربية أي طفل، وبالتالي من المفترض أن يأتي دور الخشبة لبث المعلومات في صيغة تربوية ما، ضمن قالب فني، ليست بعيدة عن أفكار الطفل وأهوائه، هذا وبرأيي الجدّية الأساسية هي في اختيار النصوص الحقيقية، بمعنى بألا تكون النصوص تعليمية أو تقدم المرح والفكاهة للأطفال، وإنما هي نصوص-وخاصة بعد الأزمة- يجب أن تعطي أملاً للطفل بإعادة بنائه بشكل حقيقي، لتطوره بمستقبله الخاص».

وعن شخصيته أضاف: «أنا أجسد دور قائد العسكر وهو الشخصية الوحيدة الجادة، حيث يحاول أن يلفت نظر الملك إلى أن هناك خطر على المملكة بشكل أو بآخر، ولكن الملك بسبب تغيّبه عن إدارة المملكة بالشكل الصحيح، يُخذله وكما أشرت بحديثي، رغم الجدّية حاولنا أن تكون الشخصية قريبة للطفل ومستحبة عنده».

ما بين الإخراج والتمثيل.. المتعة

في سؤالنا إذا ما كان هناك صعوبة بأن يكون المخرج ممثلاً وعلى الخصوص في تجسيده لشخصية في مسرح الأطفال، أجاب المخرج والممثل غسان الدبس قائلاً: «بصراحة هي صعبة وسهلة وممتعة بآن معاً، فالصعوبة بأننا نراقب الكل ولكن لا يمكنني أن أعطي الملاحظات، إلا إذا تآمرنا التآمر الجميل على المخرج، وهذا التآمر يسري علي أثناء قيامي بالإخراج لعمل ما، حيث كنت أطلب من الممثلين بأن يقوموا بذلك من أجل تحقيق عنصر المشاركة، ولكن ضمن رؤية المخرج، وهذا يحدث لما تكون روح المجموعة حاضرة، مما يضفي جمالية وعفوية على العرض، وبالنسبة للصعوبة تكون عندما أنسى بأنني مخرج وأقف على المسرح كممثل، حيث أكون تحت تصرف المخرج الذي لديه آراء ورؤية للدور، وهذا ما يغفل عنه الممثل ولا يدري به، ولكنه يصل إليه من خلال البروفات والإصغاء لملاحظات المخرج، وأخيراً أنا أستمتع بالدور كممثل فهو حالة رائعة جداً».

الفصحى شرفنا

في حين شدّد المحاضر في المعهد العالي للفنون المسرحية والممثل موفق الأحمد- الذي أدى دور العجوز الحكيم- على ضرورة التمسك بلغتنا العربية الفصحى وعلى الخصوص في هذا الوقت المستهلك لكل القيم، قائلاً: «أنا أرى أن اللغة هي كما الله، هل من أحد يستطيع أن يُشرك بالله عز وجل؟!. وكذلك اللغة، لأنها لغة اللـه فينا، لهذا أنا ضد أي شخص يتكلم العامية أو يجزّ مفردات بأي عمل فُصحويّ، فهذا النمط الجميل أقدسه، وأتمنى الحفاظ عليه من كل الجهات الفنية والعلمية بأن يهتموا باللغة العربية الفصحى، فهي شرفنا وامتدادنا وإن لم نصن شرفنا… فتلك هي المصيبة».

أصعد المسرح كطفل

من جانبه ختم الممثل علي القاسم- الذي شارك بالعرض بتقديم شخصيتي الحارس والصائغ-اللقاء بالتأكيد على تقديم الجوهريات بطريقة سلسة بعيدة عن التلقين، قائلاً: «المسرح ككلمة يأتي من فعل سرح، وفي الأخير نحن نذهب بالخيال نحو الإبداعات والأشكال الجميلة، وهذه الخيالات والتصورات للشخصية واللحن والديكور، تجتمع كعناصر وتتجه نحو مشاعر الطفل التي تأتي إلينا كي تستمتع بكل ما هو جميل. وأنا في الحقيقة لا أظهر على المسرح كأستاذ أو بشخصية قاسية وتحب التنظير، بل أصعد كطفل وأقدم الشخصية بروحه، ومن خلال فكره وخيالاته نجتمع مع بعضنا، فهو يستفيد ويستمتع، وأنا أيضاً من خلال تقديمي المتعة له. هذا وعندما أكون صادقاً يمكنني أن أصل إلى صدق الطفل الذي لا يعرف الكذب أبداً، وبالتالي سأكون معه بنفس السوية، وهذا ما نلحظه عند الانتهاء من العرض حيث يخرج الأطفال إلينا، فيسلمون علينا ويلتقطون الصور معنا ويناقشوننا بالعرض، هنا نكون قد وصلنا للغاية المطلوبة بالوصول إلى عقل الطفل بتحقيق المتعة والإفادة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن