قضايا وآراء

الصحافة التركية والعدوان على بغداد وطهران

| تحسين الحلبي

حين شنت الولايات المتحدة عدوانها الغادر على أرض العراق واستهدفت فيه قائد لواء القدس قاسم سليماني ورفاقه ونائب قائد قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس ورفاقه، وسارعت إيران إلى إعلان تأكيدها الرد على الولايات المتحدة، تساءل الكثيرون أين سيقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إذا وقع صدام حربي مباشر بين طهران وواشنطن وماذا سيفعل إذا لم يقع الصدام وأجبرت بغداد وطهران واشنطن على سحب قواتها من العراق ومن شمال شرق سورية؟
كان هذا السؤال مفروضاً وخاصة أن تركيا توجد فيها قواعد أميركية جوية وقدرات عسكرية نووية أميركية هدفها حماية القوات الأميركية ومصالحها في المنطقة، وظهر الارتباك واضحاً في اليوم الأول لمقتل سليماني والمهندس وتأخر إصدار بيان تركي حول هذا الحدث الكبير والإستراتيجي في المنطقة، ثم صدر بيان عن وزارة الخارجية بشكل متأخر بالطبع مستخدماً لغة جافة تجنبت فيها تركيا وصف موقفها من هذا العدوان بعد الارتباك الذي ساد لدى أردوغان، وجاء في البيان أن وزارة الخارجية «تعرب عن قلقها الشديد من التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران وأن تزايد الأعمال العدائية في العراق سيهدد استقرار الشرق الأوسط ويعرقل جهود السلام»، ووصفت العملية التي قامت بها واشنطن في مطار بغداد بـ«إجراء يزيد عدم الاستقرار والعنف» وطلبت من الطرفين ضبط النفس والتصرف بمسؤولية وتجنب الإجراءات التي تهدد السلام والاستقرار في المنطقة».
أردوغان وبلغة جافة عمومية قال: «إن تركيا تقف ضد التدخل الخارجي»، وهو أكبر المتدخلين في المنطقة، وأضاف إنه «يعد الهجوم الأميركي في بغداد بنفس هذا المفهوم» أي التدخل الخارجي، وأضاف: «إن اختيار الولايات المتحدة لقتل قائد إيراني رفيع المستوى سيولد التوترات». ولم تختلف هذه اللغة عن لغة بعض الديمقراطيين الأميركيين ولا عن بيانات عدد من دول أوروبا، فقد خلت بيانات تركيا من أي انتقاد أو استنكار أو وصف سلبي للعدوان الأميركي، وهذا يعني أن أردوغان كان ينتظر التطورات التي ستطرأ بعد الرد الإيراني، ولذلك شكلت هذه البيانات رسالة للرئيس الأميركي دونالد ترامب أراد منها أردوغان الإشارة إلى استقراره في الموقع نفسه الذي يريد منه ترامب الوقوف فيه بانتظار ما سوف يحدث!
أردوغان كان يخشى أن تحقق إيران جولة انتصار نسبي على واشنطن بوساطة ردها وبوساطة الرد المحتمل من واشنطن على الرد الإيراني، فيضيق هامش مناوراته المخادعة إذا ما نتج عن تلك التطورات تراجع أميركي أو انسحاب للقوات الأميركية من العراق ومن شمال شرق سورية، فيكون أكبر الخاسرين حين يفقد الوجود العسكري في العراق وفي سورية ويتحول العراق إلى تحالف متين مع سورية وإيران فيواجه نتيجة ذلك ثلاث دول مناهضة له ولحلفائه على الحدود التركية.
على الجانب الآخر يكشف الباحث السياسي التركي في «مركز أبحاث سيغما» في أنقرة أن عدداً من المعلقين الأتراك دعوا إلى «الترحيب بعملية قتل سليماني لأن ذلك سيعزز الشعبية السياسية لترامب لأنه الصديق الوحيد لأردوغان في الولايات المتحدة» وكتب الصحفي في الصحيفة الإسلامية التركية «يني أكيت» إبراهيم كاراتاش: «إن مقتل سليماني ومن معه جيد للأمة» واصفاً سليماني بأسوأ العبارات، وأضاف: «ليس المهم من هو الذي قتل سليماني بل المهم أنه قتل»!
وقال الكاتب التركي في صحيفة «يني شفق» يوسف قابلان: إن «الإيرانيين كانوا يتآمرون ضد تركيا وكانوا يطعنونها من الخلف»، ويرى الكاتب والمفكر التركي نوري باكديل أن الارتباك وفقدان الاتجاه هما اللذان سادا لدى عدد من الكتاب الذين يعملون مع حزب العدالة والتنمية، وكان الذي شجع على هذه العبارات ضد إيران هو البيانات الجافة الرسمية التي صدرت عن أردوغان ووزارة الخارجية التركية وتعمدها الامتناع عن استنكار مثل هذه العمليات الوحشية لتصفية القادة، بل إن بعض الدول الأوروبية الحليفة لواشنطن استنكرت هذه العملية وانتهاكها لسيادة العراق واغتيالها عدداً من القادة العسكريين الإيرانيين والعراقيين.
سمحت وسائل الإعلام التركية لمثل هذه التصريحات التي أعدت على خلفية طائفية، بفتنة تحريضية لا تتفق إلا مع سياسة الولايات المتحدة وإسرائيل بالنشر والتداول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن