قضايا وآراء

عديمو الوفاء ودعاة العروبة

| أحمد ضيف الله

قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» في الـ5 من كانون الثاني 2020: «نحن مقتنعون بأن الشعب العراقي يرغب في أن تبقى الولايات المتحدة لمواصلة حملتها ضد الإرهاب، ونحن سنواصل فعل كل ما يلزم لضمان أمن أميركا». وبعد دقائق من المقابلة، صدّق مجلس النواب على تفويض الحكومة العراقية بإلغاء طلب المساعدة المقدّم لـ«التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش»، وذلك لانتهاء العمليات العسكرية وتحقيق النصر والتحرير، وبإنهاء وجود أي قوات أجنبية في الأراضي العراقية، ومنعها من استخدام الأراضي والمياه والأجواء العراقية لأي سبب كان، وتقديم شكوى عاجلة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ضدّ الولايات المتحدة لارتكابها انتهاكات وخروقات خطيرة لسيادة وأمن العراق.
جلسة التصويت على التفويض النيابية غاب عنها عن عمد نواب المكونين الكردي والسنّي، ولم يخرقها سوى حضور بضعة نواب من القوى السنيّة، في خطوة تعكس حرص المتغيبين على البقاء تحت مظلّة الاحتلال الأميركي، مسوقين إلى أن ما يجري من صراع هو بين مكوّن طائفي «شيعي» ودولة عظمى «أميركا»! وأن الذي حصل، وفق ما يدّعون، أن نواب الأحزاب الشيعية والقوى الموالية لإيران دفعت باتجاه اتخاذ موقف مناصر لإيران لكونها تلتزم بتوجيهاتها وأوامرها، ما يجعل العراق طرفاً في الصراع بين أميركا وإيران، معرّضاً ذلك أمن وسلامة العراق للخطر، وهذا منطق عجيب ومخادع ومشبوه.
الـ«28» شهيداً الذين تبنى الجيش الأميركي عملية قتلهم في الـ29 من كانون الأول الماضي على الحدود العراقية السورية قرب منطقة «القائم»، هم جنود عراقيون من اللواءين 45 و46 لهيئة الحشد الشعبي، أحد تشكيلات الجيش العراقي، ومن العشائر العربية الأصيلة من مختلف المناطق العراقية، والشهيد «أبو مهدي المهندس» نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، عراقي عربي من البصرة، ومن أحد أكبر عشائرها «بني تميم»، فما علاقة ما اتخذه المجلس النيابي بإيران؟ فمن جرى قتلهم غيلة عراقيون، والسيادة المنتهكة عراقية، والكرامة التي أهينت عراقية.
خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في أربيل في الـ26 من آب 2014، قال رئيس إقليم كردستان «مسعود بارزاني» آنذاك: «طلبنا مساعدات من كل دول العالم، وإيران أول دولة قدمت السلاح لقوات البيشمركة بعدما تعرضت مدن الإقليم إلى هجوم تنظيم داعش مطلع آب الجاري»، كما شكر العديد من القادة الأكراد إيران على وقوفها إلى جانبهم في مواجهة تنظيم داعش. والآن يقول قادة أكراد، ومنهم ماجد شنكالي القيادي في حزب بارزاني: «لن نقبل لبعض بائعي الشعارات وأصحاب المزايدات أن يعيدونا مرة أخرى إلى زمن الحصار والمجاعة من أجل إيران وغيرها»، حسب تغريدة له في الـ6 من كانون الثاني الجاري، وهي مواقف أقل ما يقال عنها، أنها بلا حياء وعدم وفاء تجاه دولة وقفت إلى جانبهم في وقت تردد الآخرون بمساعدتهم عن قصد، كما أنها تنكّر للدماء العراقية الزكية التي سفكها المحتل الأميركي.
أثيل النجيفي محافظ نينوى الهارب والقيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية التي يرأسها أخوه أسامة النجيفي، قال لصحيفة «العربي الجديد» في الـ8 من الشهر الجاري: إن «السنّة والكرد يرفضون خروج القوات الأميركية لأنهم يدركون أن العراق سيتم تسليمه كلياً إلى إيران والفصائل التابعة لها»، والغريب أن الأحزاب والكتل النيابية للمكون السنّي، لطالما ادعت أنها كانت وحدها ضد الوجود الأميركي في العراق وقاومته، وبغض النظر عن مدى دقة ما كانوا يروجون له، ها هي اليوم الأحزاب والكتل الشيعية كما تدعون تدفع باتجاه خروج المحتل الأميركي من العراق، فأين الخلل؟ فهل من قامت أميركا بقتلهم إيرانيون أم إنهم عراقيون؟ أليس هؤلاء من قاتلوا ورووا مناطقكم بدمائهم وأخرجوا داعش منها؟ هل هذا هو الوفاء لتضحياتهم ولوقوفهم إلى جانبكم؟ وإذا كنتم عرباً أقحاحاً، فما الذي يفعله العربي الأصيل عندما يقتل ضيف في داره أو مضاربه غيلة؟ كقتل القائد الكبير قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» وهو آمن في ديار العراق؟ أليس ذلك إهانة كبرى للعراقي وللعربي الشريف؟ فأين النخوة والعزة والكرامة أيها العروبيون؟
الشيخ ضاري بن محمود الزوبعي قتل القائد الإنكليزي «ليجمن» لأنه أهانه، فوقف «بنو تميم» إلى جانبه، فأين أنتم من مواقف الأجداد؟ هذا عراق الأبطال والأحرار، وليس السعودية حيث يمسح الرئيس الأميركي دونالد ترامب صباح مساء الأرض بكرامتهم وكرامة ملكهم، وهو الحليف لهم، ولا أحد يتكلم أو ينتفض.
العراقيون لم يعد أمامهم الآن سوى المقاومة أو القبول بالذل، بعد أن تفاخر المحتل الأميركي بقتل أبنائه وضيوفه، وأنا على ثقة أن العراقيين اختاروا طريق المقاومة، حيث رسم القائدان سليماني وأبو مهدي التميمي خرائط النصر من تشابك أجسادهما وتمازج دمائهما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن