ثقافة وفن

الخوف من التجريب الموروث وراء تردي الشعر … هاني نديم لـ«الوطن»: الشعر والشاعر لا يخضعان للشروط

| ثناء خضر السالم

(الشاعر مُخوّل أن يمد يده إلى قماشة اللغة وتطريزها شريطة أن يكون «شكسبير» طبعاً) هو من غيّر نظرتنا إلى الذئب في ديوانه (كونشرتو الذئب)، بالاعتماد على الدراسة العلمية والتجارب الحياتية اليومية. فهو ليس رمزاً للخِسّة واللؤم كما نعرف.

وهو ابن النبك بل ابن الشام كما يقول في قصيدته «توت» التي غنّتها الرائعة أميمة خليل:
وأنا ابن الشام كلما على
حفاف قهري صرخت
عاد لي الصدى بيروت
يحملُ دمشق في قلبه لا تلهيه عنها أسفار ولا أشغال، يأتيها محمّلاً بالحب ويغادرها مسكوناً بالحنين. أثخنت جراحه الحرب فأثقل الحزن لغته. هذه الحرب اللعينة تركت في روحه نزيفاً يمتد في منشوراته المتعاقبة المملوءة أسى على البلاد والعباد.
الشاعر السوري هاني نديم تغنّت بكلماته أصوات كثيرة أذكر منها: مكادي نحاس في رائعة هاني (يا خيام)، ميس حرب، بسمة جبر، لينا شيماميان،….. معه كان لي هذا الحوار:

• ما المطلوب من الشاعر حيال اللغة العربية، إضافة إلى مفردات مثلاً؟
• • لا شروط تفرض على الشعر والشاعر ولا يجب أن يكون متوقعاً، الحقيقة هذا سؤال وجودي كبير، لا أعرف ما المطلوب من الشاعر حيال لغته، ولكن بالطبع ومن دون أدنى شك؛ هو أحد صنّاع اللغة، وله أن يطوّر عليها ويزيد عليها أو يحرّكها، ولعل شكسبير خير مثال على ذلك، فمن المعروف أن اللغة الإنجليزية قبله، لم تعد كما هي بعده، لقد أضاف الكثير من المفردات وغيّر في مفهوم المعاني وحركها إلى أماكن أخرى. الشاعر نعم.. مُخوّل أن يمد يده إلى قماشة اللغة وتطريزها شريطة أن يكون «شكسبير» طبعاً.

• ما الذي يمنع الشاعر من تجديد اللغة، ويبقيه في إطار خلق الصور بالمفردات ذاتها؟
• • محاصر بالموروث ربما، بالخوف من التجريب والكثير من الحدود اللغوية القاسية، ولكن أعتقد أن الشاعر الحقيقي لا يقف في وجهه شيء.. لا يعود ولا يستسلم.

• خذوا الشعر وامنحوني حياة سعيدة. ما رأيك بهذا الكلام؟
• • الكتابة حاجة قهرية كما يشير سارتر، ما من سليم ومعافى يكتب إلا وينفق وقته على الكتابة، أظن أن «الباربكيو» أجمل وأكثر نفعاً. على كل حال، أعتقد أنه ما من كاتب فَرِح بالمعنى العريض للسعادة، وهذا مدعاة لكره الكتابة في مكان ما رغم أنها نتيجة وليست سبباً.

• لابد أنّك سمعت بالأدب الوجيز. ما رأيك به؟
• • سمعت نعم! لا أفكر كثيراً بالتصنيفات، الأدب دوماً وجيز.

• كان الشعر في العصر الجاهلي يوازي وزارة إعلام في عصرنا. الشعر في عصرنا ماذا يعادل؟
• • لم يعد الشعر بمكانه ومكانته، حلّت محلّه فنون أخرى عليها أن تتولّى فكرة الإعلام.. كالصورة مثلاً، الشعر قيمته الأبدية يستمدها من كونه يلامس المساحة المتوارية التي لا تلمسها صورة ولا تقترب منها كشوف أخرى.

• الشعر في الماضي كان ديواناً للعرب، الراية اليوم هي للرواية، لمن الراية في المستقبل؟
• • لا أوافقك، السؤال مغلوط برأيي، لا راية ولا سبق.. كلٌّ له مكانته ومساحته.
• ما رأيك بالشعر المبهم، المثقل بالرموز؟ ألا تجد أن غايته لم تعد الإمتاع مع الفائدة؟
• • لا أحب تلك المدرسة الشعرية، قد أحترم جهد من يكتب بها، ولكنها لم تلامسني يوماً. الشعر بالنسبة لي شخصياً ماسة عليها أن تكون بمتناول الجميع من دون أن تفقد كنزها اللامع.

• برأيك هل الشعر المحكي خرق هدّام للغة أم هو امتداد جميل لها.
• • لا أبداً، الفصيح اليوم هو لهجة «قريش» أو محكي قريش، لهذا لا أجد هدماً ولا هم يحزنون، إنه فن مواز له خصوصيته.

• ديوانك «سور اللـه العظيم» متخم بالحزن والحديث عن جراحات البلد والحرب، وللحرب حصتها أيضاً في متحف الوحشة وكونشرتو الذئب؟
• • الحرب.. أي حياة والحرب قائمة، وأي فرح سينصب خيمته في ديارنا والحرب ما زالت لم تسدل أستارها؟.. إنها لعنة الإنسان منذ أن وجد.

• أنجزت سبعة دواوين، أنت راض عنها جميعها؟
• • لا، كل مرة أصدر فيها ديواناً، أندم فور صدوره وأتمنى حذف ثلثيه، ولكن بالمجمل، لو ظل قصيدة بين الناس من كل كتاب فسأكون محظوظاً.

• في طفولتك قابلت الشاعر عمر أبو ريشة، ومن بين كل الأطفال انتقاك ليهديك كتاباً له، وكأنّه تفرّس بك شاعراً بحدسه الأدبي. لابدّ أن هذه الحادثة أثّرت في مسير حياتك، حدّثنا عن الأثر؟
• • تلك كانت أول إشارة ولافتة على طريق الشعر، لقد تأثرت كثيراً بهذا الموقف الذي لفت نظري وأنا صغير إلى قيمة الكتابة والكتاب. ولحسن الحظ أنني التقيت بأبي ريشة وليس بغيره، فقد كان في منتهى الأناقة واللطف والتواضع والأدب والخشوع والخضوع والهيبة.

• لفتني حضور المواويل في بعض قصائدك، أهو نوع من التجديد أم رغبة في ذكر بعض الموروث الشعبي أم تكتب على السجيّة فحسب؟
• • تضمين المواويل الشعبية يأتي ضمن نسق النص، له مسوغه الفني الذي يجب حضوره. حصل هذا في نصين أو ثلاثة، ما خلا ذلك أنا أكتب العامي الصرف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن