ثقافة وفن

«مقام الجنرال ديغول» لعامر مارديني … الأدب الساخر موجود في الحياة الثقافية لمواساة مجتمع يعاني من أزمة وحرب

| جُمان بركات

الأدب الساخر عبر التاريخ كان المخدر الذي يأخذه الناس لكي ينسوا همومهم، وفي ظل الأزمة والحرب تبادل الناس الأدب الساخر على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن المعاناة والألم، وعندما يُكثر مجتمع من تبادل هذا الأدب الساخر إنما هو دليل طرافة ورقة وأحاسيس الشعب استطاع من خلاله التغلب على صعاب ومشقات الحياة.
في الواقع، لا يوجد تاريخ محدد للأدب الساخر، ويمكن القول إنه بدأ مع أول دمعة سقطت من عين إنسان في تاريخ البشرية وكانت مواساة من الطرف الآخر، وهي البنية الأساسية التي يقوم عليها، أي بمقدار ما يستطيع هذا الأدب أن يواسي الشعب وينجح في الوصول إلى غاياته، ولهذا خلق الأدب الساخر ليكون انعكاساً لهموم وآلام يشعر بها الناس، في ظل هذه الحرب هناك أسباب كثيرة أدت إلى تضاؤل الأدب الساخر ليصبح مقتصراً على رسوم الكاريكاتور فقط.

يحتاج الأدب الساخر إلى هامش حرية كبير، هو موجود في سورية نسبياً بالنسبة للدول العربية الأخرى إلا أنه لم يستغل بالشكل المطلوب، وفي أمسية تحمل الكثير من الحرية متناسين كل التابوهات أقام المركز الثقافي –أبو رمانة- أمسية أدبية «أدب ساخر» أدارها الإعلامي محمد نصر اللـه الذي قدم بدوره قصة قصيرة ساخرة.

حموضة في المعدة

قرأ د. محمد عامر مارديني قصة بعنوان «مقام الجنرال ديغول» تحكي عن ثقافة القطيع التي باتت في أذهان الجميع، وكيفية الانسياق وراءها وإلى أين وصل الأدب الساخر في سورية بشكل عام، وما الرؤى؟ يجيب وزير التعليم السابق: أكتب القصة الساخرة من الواقع، ومجموعتي القصصية التي حملت عنوان «حموضة معدة» هي نتاجي الأول، استوحيت العنوان من إحدى القصص الحقيقية التي تحكي عن صديق لي أراد شراء شهادة ليصبح أستاذاً في الجامعة وأصابتني حموضة في معدتي من كلام صديقي.
في الواقع، إن كتّاب الأدب الساخر قلائل، وأنا أحببت بدوري كتابة ما رأيته خلال وجودي في مجتمع طلابي وهو ما أتاح لي فرصة ملاحظة مشاهد وأفكار كثيرة تعكس السخرية، بتشجيع من زملائي الأعضاء في الهيئة التدريسية، والسخرية تكون في جميع المجالات سواء الاجتماعية أم الاقتصادية أم الرياضية أم السياسية، وأنا أحببت التحدث عن السخرية الاجتماعية وأحياناً السياسية.

الأدب الساخر موجود

التقطت عدسة داود أبو شقرة تفاصيل مجتمعية قد نمر عليها بقداسة لكن للأديب بعداً آخر، وعن الافتقار إلى الأدب الساخر في سورية قال أبو شقرة: لم ينسحب الأدب الساخر من الحياة الثقافية، هو يأتي من كتّاب كبار ينظرون إلى الحياة بنظرة ثاقبة ويرون الواقع بعين مغايرة ربما لا يراها الناس العاديون الذين ينظرون بدورهم إلى القوانين والأعراف والتقاليد على أنها تابوهات مقدسة، لكن الأدباء والفنانين ينظرون إلى الواقع نظرة تغييرية تهدف إلى تصحيح وتسليط الضوء على الأخطاء، فهم ينظرون إليها على أنها عثرات يجب إزالتها، ومن وجهة نظر القانونيين مثلاً يرون أنهم خارجون عن القانون ولكنهم في الحقيقة يتكلمون بضمير الناس ليصبحوا الناطقين باسمهم.

وعن حاجتنا إلى هذا الأدب قال: إن مهمة النقد هو التسويق أو التهميش، والأدب الساخر لم ينقطع والدليل أنه يمكن التحدث عن عشرات الأسماء الموجودة في العالم العربي، ولكن المشكلة في النقد لدينا أنه تراجع إلى درجة أنه لم يلحظ الكثير من الأصوات المهمة في الساحة الثقافية السورية في هذا النوع من الأدب.
وعن المقومات الجديدة لإعادة صنع الأدب الساخر وإعادته إلى الواجهة، قال: أعتقد أن هذه المقومات تحد من حرية الكاتب وانطلاقته لخلق فضاءات أوسع، والمشكلات اليومية تطرح علينا قضايا ربما تقترح حلولاً غير موجودة أساساً والمقومات هي محددات مدرسية وليست مقدسات.
وعن وصول الأدب الساخر إلى مستوى ما وصلت إليه الأحداث قال: في كل الأزمات بالعالم سنجد أن الأدب يتأخر عقداً أو عقدين في وصف الحالة ولكن في سورية منذ أن بدأت الحرب ظهر الأدب ونتاجه وأصبح متداولاً بين الجميع.

الابتسامة هي الأساس

إن تأثير الأدب الساخر على النفوس هو بمقدار البسمة المرسومة على الشفاه أو مقدار الراحة في الروح وبدوره ذكر الفنان التشكيلي موفق مخول عدة قصص من حياته في بيت العائلة، زرع الفرح والابتسامة بين الجمهور وتحدث عن الأدب الساخر بالقول:

المجتمع بحاجة إلى ابتسامة والأدب الساخر في ظل الظروف والضغوطات الاجتماعية والاقتصادية، وميزة المجتمع السوري عن الغرب هي بابتسامته، والابتسامة هي سلاح لاستيعاب المكان والزمان والظروف القاهرة، والإنسان الدمشقي معروف بها.

وعن الخوف من كتابة الأدب الساخر، والمعوقات التي تعترضه للتعبير بحرية عنه قال: القضية هي الخوف من المسؤولين، وما حدث معي في حملة «عشتار» المنحوتة التي منع وجودها ونحتها كلوحة فنية تحت جسر السيد الرئيس هو أكبر دليل، وكانت المشكلة الأكبر مع المسؤولين.

تناقضات

جاء سامر منصور بفكرة جديدة وعالجها باعتماده على الواقع المعاش ووضعها في طبق الأدب الساخر، وقدم رسالة مفادها عدم القدرة على تبادل الأدوار بين الرجل والمرأة، واحترام كل فرد دور الآخر، وعن الأدب الساخر قال الصحفي:

للأدب الساخر ثوابت فهو يقوم على مفارقات تحدث في المجتمع، وعادة في الأزمات والحروب وثنائية الألم والسعادة والنجاح والنصر والأمان تولد مفارقات تؤدي لظهور شرائح مغمورة تتسلق وتحاول أن تتبوأ وتأخذ أكبر من مكانها وبالتالي ينتج عنها سلوكيات وتصرفات تنم عن تناقضات واضطرابات نفسية تشكل مفارقات وتكرس ظواهر في المجتمع، وهذا كله يندرج تحت الأدب الساخر الذي أجده ضرورة بلاغية مثله مثل لقطة للوحة كاريكاتورية خاطفة ومؤثرة، ومن سماته الأساسية أن يكون قريباً من الواقع والشارع ومن القضايا الاجتماعية.

وعن غياب الأدباء الساخرين في ظل هذه التناقضات قال منصور: هناك أسباب عديدة، وهذه الأمسية نادرة جداً ووزارة الثقافة لم تقم بندوة للأدب الساخر إلا مرة أو مرتين مع أنني أراها ضرورية جداً، والمجتمعات التي تعاني من الضغوطات والحروب لا نجد فيها إلا رسامي الكاريكاتور، ومع الأسف كتّاب الأدب الساخر قلائل جداً وهناك انحسار لهذه الظاهرة، مع العلم أن الشعب السوري صاحب نكتة، ومن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي يرى أسطراً ساخرة ولكنها لم تتبلور لتصل إلى منتج أدبي يمكن تصنيفه ضمن الأدب الساخر.

وعن المفردات التي يحتاجها هذا الأدب للظهور مجدداً قال سامر منصور: المتلقي موجود والنكتة موجودة والشارع السوري هو أكثر مصنّع لها ومستقبل ومتداول لها، ولكن تبقى المشكلة في الإقبال على الثقافة بشكل عام المتراجع والمنحسر، وفي فترة من الفترات شكل المسرح مثل «كاسك ياوطن» و«غربة» حاملاً مهماً للأدب الساخر، ونأمل أن نذهب بهذا الاتجاه ولكن للأسف هناك مسرح ساخر اليوم يطغى عليه التهريج، ولا يصنف كنصوص أدبية وإنما يذهب باتجاه «الشعبوية» ولكن حبذا لو يذهب بعمق أكثر، وفي الصحافة يتصدر الكاريكاتور الأدب الساخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن