قضايا وآراء

نتنياهو و«جريمة القرن»

| د. يوسف جاد الحق

ما من أحد يجهل دور رئيس وزراء كيان العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحديداً، في الجريمة الكبرى الأخيرة التي أقدم عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تتابعت فصولها واحداً تلو الآخر، في غضون أيام، أولها في منطقة القائم على الحدود السورية العراقية، وكانت حصيلتها المأساوية استشهاد ثلاثين مقاتلاً، وإصابة نحو مئة من الإخوة العراقيين من هيئة الحشد الشعبي. ثم أعقب ذلك ثانياً الجريمة الأشد فظاعة التي أدَّت إلى استشهاد قائد فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني ورفيقه الشهيد أبو مهدي المهندس أحد قادة الحشد الشعبي العراقي، غيلة وغدراً على الأرض العراقية، وعلى مشهد ومسمع من الدنيا كلها.
لقد فوجئ العالم بما أقدم عليه ترامب ومن حوله، وزير خارجيته مايك بومبيو، ونائبه مايك بنس، ومجموعة أخرى من المحرضين على الحرب، مثل اللوبي اليهودي والمحافظين الجدد. ولم يكن دافع ترامب للإقدام على فعلته الحمقاء، وتصرفه الأهوج سوى حقد دفين يكنّه للعرب والمسلمين من جهة، ورغبته الذليلة من جهة أخرى في اكتساب رضا نتنياهو الذي دأب على تحريضه لترامب، ومَن كانوا قبله بالحرب على إيران نيابة عنه، وعن كيانه العاجز عن الإقدام على ذلك من دون التعرض لخطر زوال كيانه، لكنه لم يأخذ في حسبانه ما قد ينجم عن تلك الحرب من نتائج سوى تصوره، الذي أعماه عن رؤية الحقائق القائمة والجارية إقليمياً وعالمياً، والتي قد تفضي إلى خسارة أميركا لحرب تشنها على إيران ومن معها، أو من دون أن تحقق انتصاراً فيها ينشده ويسعى إليه نتنياهو. أرادها حرباً بين طرفين وهو خارجها، مكتفياً بالتفرج وانتظار المكاسب المتوقعة التي ستنجم عنها، وهو لن يخسر شيئاً على أي حال، الأميركيون والإيرانيون هم الخاسرون للرجال والمال وما يتبع ذلك في سائر الأحوال.
من هنا شوهد نتنياهو يهرع إلى سيد البيت الأبيض الممتلئ غروراً بمنصبه، يهنئه على فعلته النكراء، التي قلّ نظيرها في الأعراف الدولية، مبدياً له من الاستحسان والإعجاب ما يدفعه إلى المضي في طريقه الشائك هذا، لعل الأمور تبلغ مرحلة الحرب الشاملة التي يشتهيها!
ولا ينبغي أن يغيب عن بالنا أن نتنياهو دأب – دونما خجل – على ترديد أكاذيبه وأضاليله صباح مساء، مدعياً أن إيران هي السبب في عدم استقرار المنطقة، لا بل إنها تشكل خطراً على العالم كله.. ويعجب المرء هنا كيف أن هذا الرجل يستهزئ بالعقول، اعتقاداً منه بأن أكاذيبه سوف يصدقها الآخرون، ولكن نتنياهو يؤمن بمقولة وزير الدعاية في عهد أدولف هتلر غوبلز، التي مضمونها «اكذب ثم اكذب ثم اكذب فالناس أخيراً سوف يصدقونك»! لم نرَ إيران يوماً تعربد بطائراتها في أجواء المنطقة حتى وقت قريب، ولم نرَ إيران تقتل الفلسطينيين في كل يوم على الحدود مع العدو، ولم نرَ إيران تخوض الحروب على العرب والمسلمين على مدى سبعة عقود وتزيد، وهي أمور لم تتورع إسرائيل عن اقترافها أبداً، ناهيك عن أن كيانها قام على أرض العرب الفلسطينيين اغتصاباً وتواطؤاً مع الغرب الحاقد على هؤلاء العرب والفلسطينيين منذ القدم، همّه الأوحد في هذه الأيام التحريض على حرب ضروس مع إيران، فهو من ثم وبالضرورة شريك فعلي في عملية القتل التي استشهد فيها الراحلان العظيمان الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
وكالعادة لدى الجماعات اليهودية على مدى التاريخ البشري، ذهب نتنياهو عندما خابت آماله ولم تتحقق أحلامه، إلى التنصل من أي دور له فيما حدث – على حين كان هو المحرك الأول والمحرض عليه – وهو الآن ينفض يديه من المسألة برمتها، معلناً على الملأ هذه الخيانة لصديقه ترامب! الذي هو الآن في مأزق لا يحسد عليه، فهو لم يكن ليتوقع ردود الفعل التي أسفرت عنها جريمته الكبرى، والتي كانت أشبه بزلزال يهز أرجاء الأرض، وها هو لا يدري كيف يتدبر الأمر أمام مواطنيه وناخبيه من جهة، وأمام دول العالم بأسره من جهة، فهو إن لزم الصمت ضاعت هيبة أميركا، وهبطت سمعتها وعظمتها إلى الحضيض، وإن هو نفذ وعيده بحرب ساحقة ماحقة طالما هدد بها وأعلن عنها، فهو لا يضمن تصاعدها وامتداداتها حيث تتحول إلى حرب عالمية أو يقرب منها، تأكل الأخضر واليابس، وهو ما سوف يفقده كل أمل في البقاء في بيته الأسود أياماً أخرى، ولاسيما عندما يشهد الأميركيون نعوش أبنائهم الوافدة تشحن إلى مقابرهم الذين لم يفقدوا أرواحهم إلا نتيجة لنزعات شخصية هستيرية تمكنت من عقلي رجلين حاقدين هما ترامب ونتنياهو.
الأول «ترامب» يتلظى ناراً الآن لتأكده بأنه فقد إمكانات نجاحه في الانتخابات القادمة للبقاء في سدة الرئاسة لدورة ثانية، والآخر نتنياهو يرتجف هلعاً لتأكده من اقتراب نهايته في انتخابات قادمة وقريبة في آذار من العام الحالي، ونهاية مشروع اليهودية العالمية، في كيان أقاموه لكي يتمكنوا من التحكم في مصائر شعوب هذه المنطقة، فالمسألة الآن لم تعد «إسرائيل تبقى أم تزول»، لكنها أمست متى؟ فالنهاية حتمية ليعود كل شيء إلى أصله ويعود الحق منتصراً، والباطل مهزوماً زهوقاً.
العزاء الوحيد في فقدنا للشهيدين العظيمين هو تحقق ما استشهدا ورفاقهما من أجله، إزالة هذا الكيان من الوجود هو وحده الثمن الذي سوف يدفعه الكيان «اللقيط الهجين» جزاء لكل ما أقدم عليه من إرهاب وإجرام بحق شعب فلسطين وآخرين من العرب والمسلمين، على مدى حقبة سوداء من الزمن، هي الآن أيامها الأخيرة دونما ريب.
أما لماذا هي «جريمة القرن»؟ ذلك أنها شكلت المنعطف في مسألة الصراع مع العدو، حيث أصبح حلف المقاومة مجتمعاً في المواجهة ولم يعد كما فيما مضى استفراد العدو بكل جهة أو فريق منها على حدة، هذا المفصل هو التوجه الحاسم المفضي إلى نهاية حتمية، كما أسلفنا، لإنهاء هذا الوجود الغاصب في فلسطيننا المقدسة، الذي طال أكثر مما ينبغي لو كان العرب على غير ما كانوا عليه كل هذا الزمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن