الأولى

إيران

| تييري ميسان

لم يُقنع إبلاغ السفيرة الأميركية كيلي كرافت مجلس الأمن بعملية تصفية الجنرال قاسم سليماني سوى الدبلوماسيين المقتنعين سلفاً بما تقوله، حيث إن الحقائق التي تم الإبلاغ عنها لاتعني الشخص الذي تم استهدافه، ولا إيران عموماً، بل حلفاء إيران.
لم تكن العملية قانونية، إلا إذا نظرنا إليها من منظار وسائل الإعلام الغربية، على أن حلفاء إيران، مثلهم في ذلك مثل حلفاء الولايات المتحدة، مجرد جنود مطيعين محرومين من أي مجال للمناورة. ما يعني تجاهل معاناة سكان الشرق الأوسط التي دفعت البعض إلى التحالف مع طهران.
ومع ذلك، يجب أن ننظر إلى عملية الاغتيال في سياق المفاوضات بين هاتين الدولتين، كقضية إيران-كونترا (1985) أو محادثات عُمان (2013)، وهي أمثلة في غاية الأهمية.
لقد طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية ثلاثة بنود مهمة:
– إنه سيعارض استخدام الولايات المتحدة للجهاديين كوكلاء في أي عملية من شأنها تغيير حدود الدول.
– اعتبر اتفاق 5 + 1 باطلاً لأنه لم يتطرق للمواضيع الحقيقية في النزاع مع إيران.
– وأنه سيسحب القوات الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط.
وقد تم تحقيق الهدف الأول فعلاً مع سقوط دولة الخلافة. كما تم تقديم عرض للتفاوض مع إيران. لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني اعتبر أن موافقة مجلس الأمن على اتفاق 5 + 1 لايمكن المساس به. لذلك رفض هذه اليد الممدودة، اعتقاداً منه بأن ترامب لن يبقى في السلطة لفترة طويلة.
أما الهدف الثالث فقد اصطدم مع تعنت البنتاغون، كما اتضح لنا من الأوامر الثلاثة المتتالية التي أصدرها ترامب للانسحاب من سورية، لكنها، إما ألغيت أو تأجل تنفيذها مراراً.
بيد أن الوضع تغير الآن. فترامب لا يزال على رأس السلطة، ومن المرجح أن يبقى في منصبه خلال السنوات الخمس المقبلة.
لقد تضرر الاقتصاد الإيراني بشدة من العقوبات الأميركية غير القانونية، ولم تؤت الاستثمارات الصينية البالغة أربعمئة مليار دولار أُكلها بعد.
وأخيراً، لاشك أن استشهاد الجنرال سليماني سيكون له بالغ الأثر على تقويض قدرات الحرس الثوري في المنطقة.
إن تعمد ترامب الإعلان بنفسه عن هذه العملية القاتلة، لايخلو من التلميح إلى «أزمة الرهائن» التي نفذها الحرس الثوري عام 1979. وهو بذلك يصيب هدفين في آن واحد، حيث يقدم نفسه مدافعاً عن الولايات المتحدة أمام ناخبيه، كما يقدم عرضاً للتفاوض مع إيران.
يعلم الجميع في ذاك البلد أنه لم تحدث أي أزمة رهائن حينذاك، بل عملية اعتقال دبلوماسيين أميركيين مزيفين في عملية تجسس بالجرم المشهود من داخل سفارتهم التي صار يطلق عليها منذ ذلك الحين اسم «عش الجواسيس». وقد انتهت القضية لمصلحة إيران في صفقة تم عقدها مع الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان.
أما الرد الإيراني بقصف القواعد الأميركية في أربيل وعين الأسد، فلم يؤد في الواقع لسقوط أي ضحية، وقد رحبت قيادة الحرس الثوري بذلك علناً. وهو أفضل من رد ترامب الذي أمر بقصف القاعدة السورية في الشعيرات عام 2017، والذي أدى إلى مصرع بضعة جنود فقط. وكأنها أسلحة للاستعراضات العسكرية أكثر منها لشن عمليات حربية.
تظل الحقيقة هي أن إيران أعلنت أنها لن تمتثل لاتفاق 5 + 1، الذي كانت تحاول تطبيقه مع الأوروبيين، وأن البرلمان العراقي طلب من الولايات المتحدة الأميركية جدولة سحب قواتها من العراق، وهو أمر لطالما اعترض عليه البرلمان.
وختاماً، لو كان الجنرال قاسم سليماني يعلم أن موته سيجلب السلام للمنطقة، لما تردد في بذل روحه بكل فخر وإباء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن