ثقافة وفن

ملكة الرواية البوليسية «أجاثا كريستي» … كانت تبحث عن «الصحبة المشتركة»

| هبة الله الغلاييني

ولدت أجاثا كريستي Agatha Christie في مقاطعة «ديفونشير» عام 1890 من أب أميركي وأم إنجليزية، آثرت أن تكون إنكليزية الجنسية والوطن، عاشت في بلدة «توركاي» معظم طفولتها، تقول عن نفسها: إنني قضيت طفولة سعيدة إلى أقصى درجات السعادة، تكاد تكون خلوا من أعباء الدروس والاستذكار، فانفسح لي الوقت لكي أتجول في حديقة بيتنا الواسعة وأسيح مع الخيال ما شاء من الهوى!! وإلى والدتي يرجع الفضل في اتجاهي إلى الكتابة والتأليف، فقد كانت سيدة ذات فتنة، ساحرة الشخصية، قوية التأثير، وكانت تعتقد اعتقاداً راسخاً أن أطفالها قادرون على كل شيء»…!!

وذات يوم وقد أصبت ببرد شديد ألزمني الفراش قالت لي:

– خير لك أن تقطعي الوقت بكتابة قصيرة وأنت في فراشك.

– ولكني لا أعرف.

– لا تقولي لا أعرف، فإنك «طبعاً» تعرفين، حاولي فقط وسترين.

حاولت ووجدت متعة في المحاولة، فقضيت السنوات القليلة التالية أكتب قصصاً قابضة للصدر!! يموت معظم أبطالها..!! كما كتبت مقطوعات من الشعر ورواية طويلة احتشد فيها عدد هائل من الشخصيات حيث كانوا يختلطون ويختفون لشدة الزحام، ثم خطر لي أن أكتب رواية بوليسية، ففعلت واشتد بي الطرب حينما قبلت الرواية ونشرت، وكنت حين كتبتها متطوعة في مستشفى تابع للصليب الأحمر إبان الحرب العالمية الأولى.
تلقت أجاثا تعليمها في البيت مثل فتيات كثيرات من العائلات، وحسب التقليد آنذاك، ثم التحقت بمدرسة في باريس وجمعت بين تعلم الموسيقا والتدرب عليها وبين زيارة المتاحف والمعارض الكثيرة في فرنسا ولم تعجب بأساطين الرسم الزيتي في القرنين السادس عشر والسابع عشر وتلك مسألة تنم عن غرابة وخروج على المألوف في مثل هذه الحالات..!!
كان زواجها الأول من العسكري البريطاني «أرتشى كريستي» ومنه أخذت اللقب الذي لازمها طوال حياتها، ولكن زواجها منه فشل بسبب افتقادها «الصحبة المشتركة» أو «الرفقة الزوجية» وتلك قيمة أساسية في حياتها حتى بعد زواجها الثاني… إذاً كانت «الرفقة» التي تتعطش لها ولم يوفرها زوجها الأول فضلاً عن ارتباط «أرتشى كريستي» بعلاقة عاطفية مع امرأة أخرى ثم تصرفه مع «أجاثا» كربة بيت فقط ورفيقة فراش!! كانت تلك أسباب انفصالها عنه بالطلاق بعد أن أنجبت منه ابنتها «روز لند».

تقول «جانيت مورغان» واضعة سيرة هذه الروائية:

«إن أجاثا كريستي هي سيدة ريفية بكل معنى الكلمة، ليس لأنها ولدت وترعرعت في توركاي، المنتجع الصيفي جنوب بريطانيا، بل لأن مظهرها وعاداتها كانت مطابقة لحياة وعادات الحقبة التي عاشتها تماماً، ولم تمر في حياتها بأحداث دراماتيكية أو تسعى وراء المغامرة..!
في عام 1930 تزوجت أجاثا كريستي من «ماكس ملوان» عالم الآثار المعروف بعد أن التقته في إحدى سفراتها إلى العراق، وكان عمرها يومذاك 39 سنة بينما كان عمره 26 سنة!!
وقد أتاح لها زواجها هذا أن تزور معظم بلاد الشرق الأدنى، فتجولت في بلاد العراق والشام ومصر وبلاد فارس… إلخ، ووفر لها هذا التجوال فرصاً ممتازة لكتابة أجمل رواياتها وقصصها الملأى بالأسرار، المفعمة بالغموض، المعتمدة ليس على مواقع الحدث في بلاد الشرق الساحرة فقط وإنما على خيال الكاتبة الجامح، أيضاً ولغتها المتدفقة السيالة وقدرتها الفريدة على ابتكار الشخصيات الغامضة والمثيرة وتحريكها عبر الرواية باتجاهات مختلفة تذهل القارئ.!! بل تشده وتدهشه!! ومثلما ابتكر «السير آرثر كونان دويل» شخصية «شرلوك هولمز» وزميله «الدكتور واتسون» كذلك نحتت أجاثا كريستي شخصيات المفتش «هركول بوارو» والكولونيل «بريس» و«مس مين ماريل».

ولعل الاستقرار العائلي الذي أتاحه لها زواجها من «مالوان» فضلاً عن عوامل أخرى كان من أسباب استقرارها النفسي والفكري ما هيأ فرص الكتابة والإنتاج الأدبي حتى وهي ترافق زوجها في إقامته بالمواقع الأثرية. يقول «ماكس مالوان» في مذكراته عن طقوس الكتابة لدى زوجته:

«شيدنا لأجاثا حجرة صغيرة في نهاية البيت.. كانت تجلس فيها من الصباح وتكتب رواياتها بسرعة وتطبعها على الآلة الكاتبة مباشرة، ولقد ألفت ما يزيد على ست روايات بتلك الطريقة موسماً بعد آخر».
ومن المفيد أن نذكر أن كريستي كانت قد انضمت رسمياً إلى بعثة التنقيب البريطانية في نينوى شمال العراق برئاسة «الدكتور تومسن كامبل» ثم إلى بعثة الأربجية عام 1932 برئاسة زوجها، وكانت فضلاً عن جهدها التنقيبي، تجد الوقت الكافي للكتابة..!! حتى إنه حين لا يتوافر لها السكن في الموقع الأثري، تنصب لها خيمة خاصة بعيداً قليلاً عن ضجيج الحفر تعمد إلى كتابة رواياتها وقصصها داخلها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن