قضايا وآراء

آفاق 2020.. المشهد السياسي والاقتصادي العالمي

| د. قحطان السيوفي

في نهاية عام وبداية العام التالي، يسعى المحللون والمتخصصون لاستشراف آفاق العام الجديد، وإن كان من غير الممكن أن تكون التقديرات صائبة في كل الأحيان، 2019 كان النمو العالمي البالغ 3 بالمئة هو الأضعف منذ عام 2009، وفقاً لأحدث التقديرات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، ومن ثم مستويات المعيشة في العديد من الدول انكمشت وسط أزمات سياسية ـز اقتصادية.
في السياسة، إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تتعامل مع العالم وكأنه شركة خاصة لرجل أعمال متهور عنصري لا يؤمن بجدوى الاتفاقات الدولية تستخدم الحصار والعقوبات الاقتصادية كسلاح لتدمير الشعوب والدول، هذه الإدارة مُستمرة بممارسة أقصى درجات الضغط على سورية وحلفائها في محور المقاومة، والمنطقة دخلت مرحلة جديدة بعد اغتيال قائد فيلق القدس الفريق قاسم سليماني ورفاقه.
وفي تداعيات هذه الجريمة، سيشهد عام 2020 الانتقال لمرحلة إخراج الأميركي من المنطقة، وسيأخذ ذلك مسارات دبلوماسية وسياسية وشعبية، وقد يصل للمقاومة العسكرية إذا لم تنجح المسارات الأخرى. في الأيام الأولى من عام 2020 أحال الكونغرس الأميركي ملف محاكمة وعزل ترامب إلى مجلس الشيوخ الذي يتمتع فيه الجمهوريون بأغلبية، وحتى لو لم تؤد المحاكمة إلى عزل ترامب فإن تداعيات المحاكمة ستكون سلبية على ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل.
السؤال هل يفوز ترامب في هذه الانتخابات؟ الأرجح لا. في عام 2016 حصلت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون على نحو ثلاثة ملايين صوت أكثر من ترامب ومع ذلك خسرت الكلية الانتخابية. ذلك الهامش سيكون أوسع بكثير في عام 2020. ما أشرت إليه أدى وسيؤدي لاستمرار تراجع الهيمنة السياسية والاقتصادية الأميركية في العالم.
إن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران مُستمر، حيث كثفت إدارة ترامب إستراتيجية الحصار الاقتصادي الظالم لممارسة «أقصى قدر من الضغط» ضد طهران.
إسقاط طائرة أميركية من دون طيار، والاستيلاء على سفينة بريطانية، وبعد اغتيال الشهيد قاسم سليماني ردت إيران بقصف شديد على قاعدتين عسكريتين في العراق، ومع ذلك وعلى الرغم من الخطاب العدائي لترامب، أظهر تراجعاً وعزوفاً عن اتخاذ إجراء عسكري لأنه مع اقتراب موعد الانتخابات، فإن ترامب لا يُريد أن يتورط في حرب ستؤثر في مستقبله قي الانتخابات المقبلة.
بالمقابل ستتعزز القطبية الثنائية العالمية ممثلة بتصاعد دور الصين وروسيا السياسي العالمي. والدفاع عن مصالح الشعوب والدول في الأمم المتحدة.
في ألمانيا ستكافح المستشارة أنجيلا ميركل للحفاظ على التحالف مع حزب الديمقراطيين الاجتماعيين، هذا الأخير سيسعى لتجنب إجراء انتخابات مبكرة خوفاً من التعرض لهزيمة ساحقة، والسماح لحكومة أقلية حتى عام 2021 عندما تتقاعد ميركل.
في الاقتصاد، توقع نصف معظم كبار الإداريين الماليين في دراسة استقصائية حديثة أجرتها جامعة ديوك أن تقع أميركا في ركود خلال العام المقبل، وأن الشركات الأميركية المتوترة تقلل من الإنفاق الرأسمالي. في الأيام الماضية وقّع ترامب مع نائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي اتفاقاً تجارياً مرحلياً، وبموجبه تعهّدت الصين شراء بضائع أميركية إضافية بقيمة 200 مليار دولار خلال السنتين المقبلتين. وحذّر ترامب الصين من أن الرسوم الجمركية العقابية المفروضة عليها منذ عامين ستبقى سارية إلى حين التوصل إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وسيستمر مناخ عدم الثقة بين الطرفين.
بالنسبة للاقتصاد البريطاني الانتعاش المؤقت الذي حصل بعد انتصار بوريس جونسون في الانتخابات الأخيرة، سيتلاشى بسرعة في عام 2020، مع استمرار الشكوك حول «بريكست».
الهند لن تستعيد مكانة الاقتصاد الأسرع نمواً، فقد انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند من 8 في المئة إلى 4.5 بالمئة، بسبب المشكلات في النظامين المصرفي والمالي.
وفي مجال العملات، يؤكد كثيرون ومنهم «دويتشه بنك» و«جولدمان ساكس» و«بنك أوف نيويورك ميلون» على أنه بعد عقد من المكاسب المتفاوتة، سيشهد العام المقبل انخفاض الدولار.
بالمقابل فإن إضعاف الدولار يجعل الذهب الاستثمار الأفضل.
لقد حذر كبير الاقتصاديين في «بي. جي. آي. أم فيكسد إنكوم» ووكيل سابق لوزير الشؤون الدولية في وزارة الخزانة الأميركية ناثان شيتس، من أن عام 2020 قد يجلب بعض المفاجآت لبنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي واجه صدمة مبكرة في الآونة الأخيرة، مع عودة التوترات في الشرق الأوسط بعد أن اغتالت القوات الأميركية قائد فيلق القدس الإيراني.
وفي قطاع النفط، هناك أسباب للتفاؤل حول أسعاره، وأخرى للتشاؤم، أما أسباب التفاؤل فهي انفراج جزئي للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بعد توقيع الطرفين على المرحلة الأولى من اتفاق تجاري جديد، وهناك أمر آخر وهو محاولة الديمقراطيين عزل ترامب، ما يعني أن الحرب التجارية مع باقي دول العالم ستخف حدتها إذا ما نجحت مساعي عزل ترامب.
وما يدعو إلى التشاؤم هو تراجع نمو الاقتصاد الهندي أحد أكبر المستهلكين في النفط، وثاني أكبر اقتصاد آسيوي بعد الصين.
بالنسبة للإنتاج من خارج «أوبك»، من المتوقع أن يزيد في 2020 بنحو 2.2 مليون برميل يومياً، كما سينمو الطلب بنحو 1.08 مليون برميل يومياً، حسب تقديرات «أوبك»، في تقريرها الشهري الأخير 2019.
بلغت الديون المستحقة على شركات النفط والغاز الأميركية في عام 2020 نحو 41 مليار دولار، ما ينبئ بإعلان مزيد من حالات الإفلاس هذا العام.
إن من أهم المخاطر التي تهدد أمن البشرية وازدهارها: تغير المناخ، فانبعاثات ثاني أكسيد الكربون لا تزال في ارتفاع. الأمر الأكثر تشجيعاً هو انخفاض تكلفة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى درجة أنها تتمتع بالقدرة على المنافسة من دون دعم حكومي. يبدو مستقبل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مشرقاً، وستكون له تداعيات على أسواق النفط والغاز.
من المتوقع أن تصبح الصين رائدة عالمية للجيل الخامس حيث حققت ريادة الاتصال اللاسلكي الفائق السرعة الذي سيكون النظام العصبي لإنترنت الأشياء بنهاية 2020.
ستتقدم شركة هواوي الصينية على منافستها شركة سامسونغ الكورية، على الرغم من الضغط الأميركي للحد من مجموعة الاتصالات الصينية.
يقول بعض المحللين: إن عام 2020 سيكون عام السيارة الكهربائية بسبب عشرات النماذج الجديدة التي ستدخل السوق.
الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020 هي الأكثر أهمية بشكل خاص لقطاع الطاقة في الولايات المتحدة. يمكن أن نشهد فوزاً ديمقراطياً محتملاً وحظراً كبيراً، وقوانين جديدة وضرائب أخرى تستهدف الوقود الأحفوري، بينما يحتمل أن يكون هناك دعم للطاقة المتجددة.
عام 2020 هو بداية «عقد تحقيق النتائج» بالتنمية المستدامة الذي وضعته الأمم المتحدة.
تبنت اليابان بحماس رموز وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وتأمل إدارة «آبي» في استخدام الألعاب لإظهار قيادتها في مجال الاستدامة.
أخيراً يمكننا أن نقول بثقة إن إدارة ترامب العنصرية المتهورة ستزيد من تراجع الهيمنة السياسية والاقتصادية الأميركية في العالم عام 2020.
كما أن اﻷدلة الحالية تشير إلى إمكانية اقتراب انكماش الاقتصاد العالمي من نهايته. وهو ما يزيد بشكل كبير من احتمال حدوث أزمة أو تباطؤ حاد في الاقتصاد عام 2020. وبسبب عولمة الاقتصاد العالمي، فإن الجميع سوف يتأثر بدرجة ما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن