ثقافة وفن

الأب بين المفهوم والأدب

| أيمن الحسن

ما من أحد يناقش في دور الأم الكبير في تنشئة أطفالها وتربيتهم، وضرورة تبجيلها وحسن مصاحبتها، كما جاء في الحديث الشريف الذي حفظناه منذ أيام الدراسة الابتدائية، من أحقُّ الناس بمصاحبتي؟ قال: «أمك». قال: ثم من؟ قال: «أمك». قال: ثم من؟، قال: «أمك».
بعدها، وأخيراً قال: أبوك.
أي إن الأب أتى في المرتبة الرابعة من وجوب المصاحبة.
بعد ذلك قرأنا في الكتب المترجمة عن صورة الأب الظالم القاسي «الديكتاتور» حسب المصطلح المتداول ولاسيما عند «كافكا»، و«جان بول سارتر» وغيرهما.
إلى أن جاء بعض المفكرين العرب، وحدثونا عن المجتمع البطريركي، حيث يلعب الأب دور المستبد الجبار بأطفاله وأسرته.
وقبل ذلك كله حضر دور الأم المؤثر في طفولتنا المبكرة، ولاسيما إذا كانت علاقتها بزوجها غير سوية، أو لا صحية، مع العلم أنه ليس دائماً هو السبب في اضطراب العلاقة الزوجية، ولكن الأم – في أحيان – تؤدي دورها بطريقة خاطئة، وتجعل الأبناء يكرهون والدهم – لفظ «الوالد» من قبيل المجاز، فالأم هي الوالدة الفعلية، والأب يسمى والداً على الرغم من أنه لم يلد، ولا هم يحزنون – ولأنه مشغول بالعمل خارج البيت أغلب الوقت، فهي تقوم عادة بغسل أدمغة أبنائها بأنها مظلومة، تعمل كل شيء، بينما هو يعيش على كيفه وهواه، هذا إذا لم تتهمه باتهامات شتى مثل «عيونه بيضاء» أي يدور على «النسوان» ليل نهار، وقد تقول عنه: «إنه بخيل، يكسب المال الكثير من عمله، يا أبنائي الأعزاء، لكنه لا يعطيني إلا النزر اليسير كي أصرفه عليكم».
إلى آخر هذه الأسطوانة المشروخة التي غالباً ما تكون حفظتها من أمها عن ظهر قلب.
وغير نادرات هن الأمهات اللواتي يقلن لأولادهن:
– إن «أبوكم» يعمل بجد ويتعب ويشقى كي يؤمن لكم ما تحتاجونه، وإنه – أعانه الله – مرهق دائماً، فإن كان ثمة مشكلات بيننا، فهذه مسألة نحلها أنا وهو. لكن عليكم أن تطيعوه وتحترموه، فهو والدكم، ويكاد يزهق روحه من أجلكم.
فهل ترانا زدنا في تبجيلنا للأم إلى درجة القداسة، وكثير من الأمهات يستأهلن هذا، وظلمنا الطرف الآخر، وهو الأب المسكين؟!
وبناء على الدور الكبير المعطى للأم في مجتمعنا ألا نستطيع القول:
– إن بعض الأمهات كن وراء جيل من شبابنا الذين «انضربت عقولهم» أي «غُرِّر بهم»، فحملوا السلاح ضد إخوانهم في الوطن تحت مزاعم شتى؟ ولكن هل نعتب على أم جاهلة إن خرجت أبناء جاهلين مثلها؟ أليست الأم مدرسة؟ وهل كل المدارس تخرج طلاباً واعين متحضرين؟
حديث يطول أختمه بالسؤال:
– هل ننتظر – نحن الآباء – أن يكبر أبناؤنا، ويصبحوا آباء حتى يدركوا الحقيقة، ويعرفوا قيمة الأب وتضحياته؟
أذكر من القص: «أتمنى أن تكون حبيبتي، أقصد زوجة المستقبل، ليست قاسية مثل أمي»، فانزعج أحد النقاد وقال:
– لا تقل كلاماً كهذا عن الأم.
وكأن القداسة مرتبطة بالأم دائماً وأبداً، ولا توجد أمهات قاسيات وظالمات، بل مخطئات أيضاً بحق أزواجهن وأبنائهن، بينما الأب غير ذلك، وربما يكون «منجوساً»، حسب التعبير العامي.
أخيراً أزعم أن هذه التربية التي حيدنا بها الأب عن دوره في التربية والتوجيه هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عيه، فما أحرانا أن نقول بموضوعية، وبلا مواربة:
– الأب شريك أساسي في عملية التربية، ولئن كانت الأم ربة الأسرة، فإن الأب رب البيت كله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن