قضايا وآراء

الثالوث العربي المفقود

| سيلفا رزوق

ربما لم تعد الأنباء التي تتحدث عن مبادرات خليجية بين الحين والآخر تجاه دمشق تحمل أي جديد، فمنذ تخلي تلك الدول عن شعار «إسقاط النظام» الذي رفعته قبل عدة سنوات، والذي كان السبب وراء إخراج سورية من الجامعة العربية، مروراً بإغلاق سفاراتها، باستثناء سلطنة عمان، وصولاً إلى المشاركة المباشرة في دعم وتمويل الجماعات التي قاتلت الدولة السورية وتسببت بدمارها، بدأت التصريحات والأصوات القادمة من الخليج تنحو باتجاهات إيجابية سرعان ما كانت تخفت مع سماع أنباء الاتصالات والزيارات الأميركية إلى المنطقة.
لكن خبر حضور مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري لحفل خاص أقيم على شرف وزير الدولة السعودي فهد بن عبد اللـه المبارك، تلبية لدعوة المندوب السعودي عبد اللـه بن يحيى المعلمي، حمل وقعاً مدوياً هذه المرة، إذا شكل أول لقاء جمع بين شخصيات تحمل صفة رسمية لكلا البلدين، بعد انقطاع طويل، والأكثر من ذلك أنه جرى في نيويورك، وحملت تفاصيله من الرسائل ما يمكن أن يشي بأن السعودية حقيقة بصدد إحداث انقلاب جديد في سياستها تجاه سورية التي لم تكن ومنذ اللحظة الأولى، المبادرة نحو تغيير مسارها العربي.
الباحث في التفاصيل التي سبقت هذه الخطوة، ربما يجد ضالته في قراءة ما سيكون عليه أو ما يجب أن يكون عليه المشهد العربي «التالي»، فالدعوة السعودية جاءت بعيد أسبوع تقريباً على إعلان دمشق عن إجراء لقاء ثلاثي ضمها إلى جانب روسيا وتركيا في موسكو، حيث جاء الإعلان من الجانب السوري، الذي ترأسه رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، والذي بدوره كان سبق له أن قام قبل نحو عام تقريباً بزيارة السعودية، في إطار ترتيبات كانت تجري وقتها لإعادة العلاقات بين البلدين، واستعادة سورية لمقعدها في الجامعة العربية، الأمر الذي أفشلته واشنطن سريعاً عبر «لاءات» مبعوثها جيمس جيفري، وظلت هذه «اللاءات» سارية المفعول حتى يوم أول من أمس.
السعودية ومعها الإمارات المبادرة الأولى نحو دمشق، تعيش اليوم معركة حقيقة مع تركيا وتطلعاتها «العثمانية»، قد تصل قريباً حدود الصدام العسكري المباشر على الجبهة الليبية، حيث تظهّر فيها الصراع «الخليجي التركي» بأوضح صوره، الذي ما كان له أن إلى يصل هذه الحدود، لولا سياسات تلك الدول نفسها التي أضعفت الفالق الإستراتيجي الأخطر تاريخياً على المنطقة، المتمثل بسورية والعراق، وساعدت بصورة مباشرة في تسهيل المد التركي الساعي للسيطرة على الموارد العربية والتمدد الجغرافي، عبر رافعة «إخوانية عثمانية» تلقى ما تحتاجه من «ولاءات» مطلقة من شريحة ليست بالقليلة في جميع الدول العربية، كشفت إخفاق الحكومات العربية في استبدال انتماءات هؤلاء الحالمين باستعادة الزمن العثماني، بالانتماء الوطني ضمن مفهوم الدولة الوطنية.
الانعطافة السعودية الأخيرة التي تبدو اضطرارية إذاً، ومحاولة سريعة لاستدراك خسارة إستراتيجية جديدة، تخرجها نهائياً من كل ملفات المنطقة، تبقى مرهونة ومرتبطة بالموقف الأميركي، الذي أفشل جميع المحاولات والوساطات الروسية وغير الروسية، في سبيل عودة العرب إلى دمشق.
في تسعينيات القرن الماضي، شكل الثالوث العربي، السوري السعودي المصري، الضامن القومي وصمام أمان المنطقة العربية كلها، وبدا أن استهداف هذا الثالوث سيعني بالضرورة ذهابها إلى المجهول، الثالوث العربي الضامن لم يعد موجوداً، والتسويق لجناحي المنطقة، السعودية ومصر، أثبت عجزه أمام هول ما يجري، وشكل ضربة قاضية للجسد العربي، وأوصل التآمر على سورية والمنطقة برمتها إلى ما هي عليه اليوم، حيث يتباهى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبكل عنجهية وصلف، بأن لديه نيات للتوغل أكثر في سورية والبقاء الدائم في ليبيا، والحفاظ على مصالحه التي لا تنتهي في الصومال وغيرها، من دون أن ننسى قاعدته العسكرية الموجودة في قطر.
استعادة الثالوث المفقود، حاجة للجميع، وسورية كما هي بحاجة لعمقها العربي الذي لم تغادره، فإن العمق العربي بحاجة لها بأكثر مما يعتقده البعض، لنبقى بانتظار الخطوة التالية والقدرة على تجاوز كلمة السر القادمة من واشنطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن