ثقافة وفن

عشتار.. لم تخترع الحرب

| د. رحيم هادي الشمخي

تقول الأساطير إن عشتار آلهة الحب، كانت تعشق الأبطال، ولأنها آلهة، لم يجرؤ أي بطل على رفض عشقها إلا جلجامش، فقد حاولت معه واشتكت إلى والدها إلا أنه المغرم بالخلود والباحث عنه، أصر على موقفه ورفضها لتخترع عشتار الحرب وتكون آلهة لها، ابتكرت الحرب، لتختار من كل حرب بطلاً وذهب جلجامش إلى «أوتنا بشتم» بعد أن مات أنكيدو سائلاً عن عشبة الخلود التي سرقتها الأفعى، ونسيته عشتار التي كانت مستمرة في حروبها.
وانتهى جلجامش إلى أسطورة وانتهت عشتار إلى منحوتة رائعة معلقة على جدار متحف، في حين استمر ابتكارها الحرب حاصدة الأحلام والرجال، وصانعة الأبطال الذين يتحولون في لحظة البطولة إلى صورة على حائط بشريط أسود.
انظر إلى أرملة شابة تبيع المناديل الورقية عند إشارة مرور لا تعمل، يغرق العرق وجهها ولا تجرؤ أن تسحب منديلاً لتمسحه، كل منديل محسوب عليها، تدخل حبات العرق في عينيها وتدمعان.
وأين هو جلجامش ليأتي، ليلمس بنفسه ماذا ارتكب برفضه عشتار وكيف حمّل المرأة وزر هذا الرفض ويصرخ جلجامش من داخل ملحمته «أنا لا وزر لي، كنت صاحب قرار، رفضت عشتار وحروبها وفيما بعد رفضت الحروب كلها، كنت صانع حياة ومغامرة إلى أن فاجأني الموت بخطف أنكيدو»، ويردد مقتنعاً:
«إن الموت قاس لا يرحم.
هل بنينا بيتاً يدوم إلى الأبد؟ هل ختمنا عقداً إلى الأبد؟
وهل يقتسم الأخوة ميراثهم ليبقى إلى آخر الدهر؟
الفراشة لا تكاد تخرج من شرنقتها فتبصر وجه الشمس حتى يحين أجلها».
تقول الأرملة الشابة التي جعل ملح العرق والدمع عينيها حمراوين «إذن كان زوجي فراشة اختطفته يد الحرب لم تعرف الحياة والحب، يصرخ جلجامش من صفحة أخرى من ملحمته»، بل أنت الفراشة أيتها الأرملة الساعية إلى الرزق لتفرح صغارها.
لكنني ما أزال مقتنعة برأيي يا جلجامش، إن المرأة عامة والعراقية خاصة تتحمل وزر رفضك لعشتار، وهذه المرأة التي حمّلتها وزرك تنهض كل يوم من رماد حلم لم يكتمل لتصنع الحياة لحظة بلحظة، سئلت يوماً كيف الحياة في ظروف صعبة مثل التي نمر بها في العراق؟ وكان جوابي بأنني صباح كل يوم اخترع أحلاماً صغيرة أتمسك بها لصبيحة اليوم التالي وهكذا تمر الأيام التي أصبحت سنوات وعقوداً واضعاً وزر جلجامش خلف ظهري وأنظر إلى مغامراته وحبه للحياة وبحثه عن الخلود الذي حققه بالحياة التي قررها لنفسه.
على جدار المتحف، منحوتة غير متكاملة لعشتار، وجه يبتسم من خلال عينيها.. عينان تشبهان عيون العراقيات، عيون تلك الأرملة الشابة، عيون تضع الحزن في زاوية من القلب وتكتحل ببعض أمل.
عيون تقول إن عشتار لم تخترع الحب لأجل بطل ما، إنما اخترعته لتدافع به عن حب يصنع حياة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن