اقتصاد

سحب البساط

| عامر الياس شهدا

مع صدور المرسومين الرئاسيين رقم (3) و(4) لعام 2020، توحي التحركات من قبل البعض، أن الأمور أصبحت مكشوفة وأكثر وضوحاً، إذ إن مفعول المرسومين تجلى بسحب البساط من تحت أقدام البعض، فسارعوا لطرح الحلول والعروض قبل أن يصحو المجتمع من الصدمة، إلا أن المجتمع السوري بات أكثر وعياً، وأكثر نضجاً، بعد المعاناة الطويلة التي عاشها.
علمت عن طريق الصدفة أن هناك البعض، والقليل جداً، من مستثمرين ورجال أعمال، يتقدمون بشكل انفرادي بعروض ملفتة للنظر، ويتذاكون هم وبعض المسؤولين عن تأمين السلع والمواد الأولية لبعض الصناعات، وبالذات صناعة الأعلاف الخاصة بالدواجن، إضافة للسكر، وتفضي اجتماعاتهم بالمسؤولين إلى تسطير كتاب إلى رئيس الوزراء، يطلبون فيه السماح لهم باحتكار استيراد الأعلاف وموادها الأولية، وتصنيع بعض أنواع منها، لقاء تخفيض أسعارها بنسبة 50 بالمئة، ما سيخفض سعر الفروج بالنسبة نفسها، وطبعاً لا يفوتهم أن يسلطوا الضوء على ما سينتج عن ذلك من خلق فرص عمل، وتنامي التصدير، وأن هذا الفعل وطني ولمصلحة الوطن.. وغيره من إغراءات مكشوفة أهدافها.
أعادنا هكذا تذاك إلى نظرية الصدمة لدونالد كاميرون، والعلاج بالصدمة الاقتصادية لميلتون فريدمان، حيث تقول إن كل أفكارنا ومشاعرنا وأخلاقنا تأتي من مصدرين؛ ذكريات الماضي وإدراك الحاضر.
بديهياً، عند توقع كارثة، يكون الفعل هو التخزين استعداداً لمواجهتها، وعند وقوعها نجد أن هناك أشخاصاً مقتنعين بضرورة التحرك سريعاً بغرض التغيير الدائم في مسارات رأس المال قبل عودة المجتمع إلى ظروف أكثر وطأة من الكارثة، أي وقوع الأضرار دفعه واحدة، لذلك نجد بعض الذين تأثروا بسحب البساط من تحت أقدامهم نتيجة المرسومين يسرعون في التصرف قبل أن تصبح الصدمة مكشوفة على صعيد المجتمع فتفقد جزءاً كبيراً من فاعليتها.
نذكر لكم بعض ما ورد في كتاب معالجة الصدمة للكاتبة الكندية المعروفة نعومي كلاين إذ تقول: إن التعبير الدقيق الذي يصف سقوط الحدود بين الحكومات وشركات الأعمال أو رجال الأعمال ليست الليبرالية ولا الرأسمالية، إنها المؤسساتية، ومن أهم ميزاتها التحويلات الضخمة للثروات من يد القطاع العام إلى يد القطاع الخاص، واتساع الهوة بين أصحاب الثراء الفاحش وضحايا الفقر.
اختصرت كلاين واقعنا الذي نعيشه اليوم، وهذا الاختصار يجعلنا نعتمد ما قاله كاميرون بخصوص مصادر أفكارنا وأخلاقنا من خلال ذكريات الماضي، وهذا يضعنا أمام تساؤلات عدة، من أبرزها: أليس الذين يقدمون عروضاً بالاستيراد شرط تمويل المركزي وبنفس شروط مؤسسة التجارة لتخفيض أسعارهم بنسبة 50 بالمئة هم أنفسهم من كان يتم تمويلهم ويقومون بالاستيراد؟
لنأخذ قطاع الدواجن كمثال، لماذا اليوم بالذات يقدمون مقترحات لتخفيض أسعار وحلّ مشاكل القطاع وهم في السابق كانوا يوردون الأعلاف لهذا القطاع؟ وهل معاناة قطاع الدواجن وليدة اللحظة أم منذ أكثر من ثماني سنوات؟ وهل خلقت معاناة هذا القطاع الذي أخذناه مثالاً بعد صدور المرسومين 3- 4؟ وهل المرسومان تسببا باستفزاز الفكر كي تطرح حلول لتخفيض أسعار المنتجات من أعلاف وفروج، وحلول لخلق فرص عمل وحلول لتنمية التصدير؟
طالما هناك إمكانية لتخفيض الأسعار بهذه النسبة نسأل: ما الذي حصل بعد صدور المرسومين؟ هل أصبحت الأسعار العالمية للمواد الأولية للأعلاف أقل؟ ماذا حدث حتى خلقت هذه الإمكانية لعرض تخفيض الأسعار 50 بالمئة؟
والسؤال الأكثر مركزية: كيف كان يتم التسعير من قبل الجهات المسؤولة أمام تلك العروض؟ هل هي حلول جاهزة أم ماذا؟
ونسأل عن شروط التمويل، فالأعلاف ومثلها السكر، يتم تمويل جزء كبير منها، ولكن هل هذه الشروط تجعل فارق السعر 50 بالمئة؟ أليس مستغرباً أن يكون تسعير كيلو السكر في السورية للتجارة 350 ليرة ويعرض بعد صدور المرسومين بسعر 480 ليرة من قبل القطاع الخاص بفارق 43بالمئة بين السعرين؟ هل الشروط تخفض التكاليف بهذه النسبة؟
يبدو لنا أن المرسومين، فعلاً؛ سحبا البساط من تحت أقدام البعض، وأن السرعة في التحرك إنما هدفها تغيير مسارات رأس المال لا أكثر، فمسارات رأس المال قبل المرسومين كانت توجه باتجاهين؛ الاستيراد والعمل على رفع سعر الصرف لعكسه على الأسعار والحصول على أرباح فاحشة التي أثرت على المستوى المعيشي للمواطن.
اليوم وبعد صدور المرسومين، لن يكون هناك تأثير لمسارات رأس المال على سعر الصرف إلا إذا تم التراخي بالرقابة، لذلك لا بد من التحرك بشكل سريع لتغيير المسار باتجاه استغلال الحاجة لتسريع حركة رأس المال لحصد الأرباح بطريقة الاحتكار لاستيراد مادة معينة تحت غطاء توصيف الحالة وطرح الحلول لها.
نتمنى على أصحاب القرار أن يكونوا مدركين لهذا الأمر، ولما فيه من مصلحة للاقتصاد الوطني ومصلحة لمسارات رأس المال العام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن