ثقافة وفن

في فن كتابة الرواية…. وللكتّاب في كتاباتهم شؤون … حتى الحماقات التي قد تخطر لنا تفتح الطريق إلى الإلهام

| جُمان بركات

كتابة رواية أو كتاب قد يظن أنه من اليسير العبور إليهما، أما أن تكتب شيئاً جيداً يسجل حضوره في مصاف الأدب العالمي له من الصعوبة ما يكدر البعض أو يدفعهم إلى عادات غريبة حتى يستطيع أن يستجلب الإلهام الذي يلزمه لصياغة سطور حكايته السحرية، وغالباً ما يتعرض البعض لسؤال كيف تكتب الرواية؟ كيف يختار الخيال الوقت المناسب لإظهار إبداعاته ويجعل من نفسه يرتكب تحفة تفاجأ أنت بها أيضاً؟ ولهذا السؤال وأسئلة أخرى أفرد الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز الروائي الكولومبي صاحب المخزونات الرائعة من الأدب الساحر مجموعة مقالات وضعت في كتاب بعنوان «كيف تكتب الرواية»، هذا الكتاب على الرغم من روعة مقالاته وبساطتها وسحرها إلا أنها لا تجيب ولا تشفي غليل القارئ عن معرفة الأدوات السحرية التي يستعملها الكاتب وعن الخيوط التي يعتمد عليها في شبك حبكة أدبية شائقة تأخذك إلى عالم آخر.

يورد في المقدمة: «الشيء الوحيد الذي رغبت عمله في حياتي هو رواية القصص، نصف الحكايات التي بدأت بتكوينها سمعتها من أمي، في اليوم الذي اكتشفت فيه أن الشيء الوحيد الذي يهمني حقاً هو رواية القصص، عقدت العزم على عمل كل ما هو ضروري لإشباع هذه الرغبة، ولن أسمح لأي أحد أو لأي شيء بأن يجبرني على التفرغ لأمر آخر، لا يمكن أن تتصوروا مقدار الخدع والمراوغات والحيل والأكاذيب التي كان علي أن أمارسها خلال سنوات دراستي لكي أتمكن من أن أصير كاتباً، المهارات والأساليب تكتسب من خلال التجربة وعدم الاستسلام للتنويم المغناطيسي والانتباه إلى كل التفاصيل، فحتى الحماقات التي قد تخطر لأحدنا يجب أخذها بالحسبان لأنها في بعض الأحيان وبتحوير بسيط تفتح الطريق إلى حلول شديدة الإلهام».

«فن الرواية»
أما الكاتب كولن ولسون في كتابه «فن الرواية» يعرفنا إلى أساليب الكتاب المعروفين في محاولة لإيجاد قواعد للكتابة، فهمنغواي يرى أن الكتابة تبدو سهلة إلا أنها في الواقع من أشق الأعمال في العالم، يرى كولن أن مشكلة الكاتب في أنه غير قادر أن يكون «سقراط نفسه» وأن يسأل نفسه الأسئلة المناسبة وهنا تكمن «الحيلة» في معرفة طرح السؤال المناسب، ويرى ولسون أن الإبداع ليس سراً مقدساً إنه أساساً موهبة حل المشكلات، ويطرح على نفسه أسئلة عدة: هل من الممكن تدريس منهج عن الكتابة الإبداعية؟ عندما يجلس كاتب محدقاً في صفحة بيضاء أمامه فإن ذلك لا يعني أن ليس لديه ما يقوله، المشكلة على العكس من ذلك عادة، فهو لديه من الأمور الكثيرة الجاهزة محتشدة في أعماقه وليس هناك إلا منفذ واحد ضيق لخروجها ألا وهو رأس القلم.

الطموح
خالد حسيني يجيب في إحدى المقابلات التي أجريت معه عن سؤال: كيف يتخيل الكتاب قبل أن يكتبه: «لا أخطط على الإطلاق، لا أجد ذلك مفيداً، ولا أحب الطريقة التي تضعني في قالب، أحب عنصر المفاجأة والعفوية، أترك القصة تجد طريقها الخاص، لهذا السبب أجد أن كتابة المسودة الأولى صعبة جداً وشاقة وغالباً ما تكون مخيبة للآمال، أحب إعادة الكتابة فالمسودة الأولى هي في الحقيقة مجرد رسم تخطيطي أضيف إليه طبقة وبُعداً وظلاً ولوناً. ويرى حسيني أن أهم نصيحة يقدمها للمؤلف الطموح «عبارة» قد تبدو مبتذلة برأيه إلا أنها أساسية ألا وهي أن تكتب، لقد قابلت الكثير من الناس الذين يقولون إن فكرة الكتاب في رأسهم ولكنهم لم يكتبوا كلمة واحدة، لكي تكون كاتباً عليك أن تكتب كل يوم وعليك أن تكتب حتى وإن شعرت بأنك لا تحب ذلك، والأهم اكتب لجمهور واحد هو «أنت» اكتب القصة التي ترغب في أن تحكيها وتقرأها، من المستحيل أن تعرف ما يريده الآخرون، لذلك وحتى لا تضيع الوقت في محاولة التخمين، اكتب فقط عن الأشياء التي تحدث تحت جلدك وتجعلك مستيقظاً في الليل، كذلك يجب أن تقرأ كثيراً وباهتمام، اقرأ عن الأشياء التي تريد كتابتها، اقرأ عن الأشياء التي لا تريد كتابتها إطلاقاً، تعلم شيئاً من كل كاتب تقرأ له.

الجملة الأولى
غالبا ما يقوم الروائي التركي أورهان باموق بإعادة كتابة السطر الأول في رواياته من خمسين إلى مئة مرة، يقول: «أصعب شيء دائماً هو الجملة الأولى، هي المؤلمة»، يكتب صاحب الرواية الجديدة «المرأة ذات الشعر الأحمر» بالقلم على كراسات رسم، يكتب في صفحة ويترك المقابلة لها فارغة للتعديلات، ويدرج ما يشبه البالونات الحوارية المعهودة في القصص المصورة. يقول باموق: إنه يكتب في أي مكان يأتيه الإلهام، في الطائرات، في غرف الفنادق، على أرائك الحدائق ومع ذلك فهو لا يستسلم لاندفاعات العفوية حينما يتعلق الأمر بحبكة قصة أو ببنيتها، يقول باموق: «إنني أخطط لكل شيء».

نسخ
منذ أن كان كازو إيشيجيرو مراهقاً وحتى أصبح في منتصف العشرينيات حاول أن يجعل من نفسه كاتب أغنيات من دون أن يصادفه النجاح، وكان ذلك السعي المبكر الذي ساعده على تكوين أسلوبه السردي الموجز المعتمد على ضمير المتكلم. إيشيجيرو الحائز جائزة نوبل للعام 2017 يقضي سنتين في البحث من أجل كتابة رواية ثم يكتبها في سنة، وقبل أن يبدأ في تسويد المسودة الأولى يعد ملفات من الملاحظات والخرائط التي لا تكتفي بعرض الحبكة الأساسية بل ملامح السرد الدقيقة وعواطف الشخصية وذكرياتها، يجمع ملاحظاته ويكتب مسودة أولى ويراجعها بالقلم الرصاص، ثم يطبع النسخة المنقحة على الكمبيوتر وفي هذه النسخة الرقمية ينقح مرة أخرى، وفي هذه المرة يحذف كتلاً ضخمة قد تصل ربما إلى مئة صفحة.

القهوة
دعم الكاتب الفرنسي بلزاك كتابته الإبداعية باستهلاك قرابة خمسين فنجاناً من القهوة في اليوم وبعض الدراسات تقول إنه بالكاد كان ينام حين كان يكتب أعظم إبداعاته «الملهاة الإنسانية»، إضافة إلى أن فولتير كان أيضاً مدمناً على القهوة فكان معروفاً بشربه نحو أربعين فنجاناً من القهوة في اليوم..
بعض الكتاب يجهز الاستلقاء من أجل مخيلتهم وتركيزهم على الكتابة فهم يجدون الإلهام والكلمات المناسبة في سريرهم المريح، من هؤلاء الكتاب الذين مارسوا الاستلقاء عند الكتابة مارك توين، جورج أورويل، أما الكاتب والمسرحي الأميركي ترومان كابوتي عرف أنه كاتب أفقي تماماً لأنه لا يستطيع أن يفكر ويكتب إلا إذا كان مستلقياً. على عكس النقطة السابقة، الكتابة رأسياً ليست غريبة على بعض الكتاب المشهورين مثل همنغواي، تشارلز ديكينز، فيرجينيا وولف، هؤلاء المبدعون جاءهم الإلهام في كتابة رواياتهم أثناء وقوفهم أمام المكتب.

العلاج المقلوب
الروائي الأميركي دان براون صاحب «شيفرة دافنشي» و«الجحيم» كان يخضع أحياناً لـ«العلاج بالمقلوب»، أي أن يعلّق نفسه المقلوب كي يسترخي ويركز أفكاره، ويقول إن هذه الطريقة تلهمه وتساعده على التركيز في الكتابة.
لكل كاتب عاداته الغريبة وأخيراً يقول روبرت جوردن «الكاتب الذي ينتظر الإلهام أو المزاج المناسب للكتابة سوف يموت جوعاً، لأنه لن يكتب كثيراً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن