من دفتر الوطن

التنمية الإدارية ورؤية ومشروع الرئيس الأسد

| وضاح عبدربه

المتابع لملف التنمية الإدارية يدرك جيداً أنه من أصعب الملفات والأكثر تعقيداً في ظل قطاع حكومي مثقل بالمحسوبيات والواسطات والفساد المالي والإداري وندرة المبادرات.
في مطلع عهد السيد الرئيس بشار الأسد كانت مشكلات القطاع العام تتلخص بالتالي: المركزية الزائدة، تعقيد في الإجراءات، ضعف في الشفافية والمساءلة، تضارب في التشريعات الناظمة لعمل الدولة، ترهل إداري وأداء ضعيف، كوادر بشرية ضعيفة ودون المستوى المطلوب، ضعف الانتماء المؤسساتي وضعف بالتنسيق بين إدارات الدولة بشكل عام.
عام ٢٠٠٠ وبعد تسلمه سدة الرئاسة في سورية، كان من أولويات الرئيس بشار الأسد البدء بعملية تنمية إدارية شاملة تساهم في رفد الإدارة بالكفاءات المطلوبة ومن خلالها النهوض بالإدارة العامة للدولة، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في معدلات نمو سورية. وعلى مدار ثلاث سنوات تمت إعادة هيكلة عدد من الوزارات في سورية، وبدأت برامج التدريب وخصصت موازنات لتأهيل الموظفين من الفئات كافة، وتم تطبيق تجارب رائدة مثل «الإدارة بالأهداف» وكانت من أنجح التجارب في سورية، وكان الشغل الشاغل للرئيس الأسد إعادة الألق إلى مؤسسات الدولة وإلى القطاع العام السوري، وردم الفجوة بين الأجور والمعيشة، والحد من الفساد، كل ذلك في إطار عملية «التحديث والتطوير» التي كانت عنوان تلك المرحلة التي سرعان ما انقضت بعد احتلال العراق وتهديد سورية وما تلاه من أحداث سياسية، أرجأت أغلبية ملفات الإصلاح إلى مراحل لاحقة.

اليوم وفي وسط الحرب، عاد ملف التنمية منذ عامين إلى الضوء، وعادت مشاريع الإصلاح الاقتصادي والتنموي مع صدور حملة من التشريعات تخدم تلك الإصلاحات، ما يوحي أن سورية وبقيادة الرئيس الأسد وعلى الرغم من قساوة الحرب وآثارها، مصممة أكثر من أي وقت مضى على تحضير سورية الغد، حيث إنه حين تنتهي الحرب، وهي ستنتهي قريباً، تكون دمشق مستعدة لعملية إعادة البناء، وبشكل سريع متسلحة بإصلاح إداري وإصلاح تشريعي وقوانين استثمارية تخدم مرحلة ما بعد الحرب، حيث تعود سورية بالفعل أجمل مما كانت.

إذاً، نحن أمام تحدٍّ جديد يطلقه الرئيس الأسد من أجل سورية أقوى وأجمل، ومن أجل إدارة حديثة متطورة، لا مكان فيها للمحسوبيات ولا للظلم الإداري وتحقيق العدالة الاجتماعية التي يصبو إليها سيادته، وما يؤكد ذلك قيامه بإلغاء استثناءات كانت من صلاحيات رئيس الدولة، وطالب الحكومة بإلغاء جميع الاستثناءات، والحرص على ألا تتضمن القوانين الحديثة كلمات من نوع «يجوز» يفسرها المسؤول على أنها فرصة لاستثناء «مبطن».

وهذا ليس بجديد على الرئيس الأسد، فهذا مشروعه القديم المتجدد ورؤيته لسورية منذ عام ٢٠٠٠ وخطاب القسم الأول، وهذا ما يفسر ترؤسه لاجتماعات التنمية الإدارية وتخصيصه الوقت الكافي لحضور الاجتماعات ومتابعة تطور هذا الملف، وذلك على الرغم من ظروف الحرب ومتابعته اليومية للعمليات العسكرية وللوضع الاقتصادي والعقوبات الأحادية الجانب على سورية، وما يعانيه المواطن من صعوبات في تأمين لقمة عيشه في ظل تنامي الفجوة بين الرواتب والأجور والمعيشة، وقلة موارد الدولة التي لم تتوقف طوال سنوات الحرب عن تسديد مستحقات الموظفين في وقتها المحدد وتمويل عمليات الحرب وتوفير المشتقات النفطية والحفاظ على دعم السلع الأساسية.

هو مشروع معقد – كما ذكرنا في بداية هذا المقال – ويحتاج إلى الوقت الكافي، ولعل عدم متابعة المواطن والموظف لهذا المشروع الحيوي وقلة التفاعل معه هو سوء الترويج له وإطلاق شعارات ترويجية يمكن اعتبارها «هدراً للمال العام»، والذنب هنا يقع على فريق التنمية الإدارية الذي أخفق في تفسير رؤية السيد الرئيس لسورية الغد، مستخدماً مصطلحات فنية ورسومات بيانية لا يمكن للمواطن السوري فهمها أو حتى استيعابها، ويجب أن تكون موجهة حصراً للخبراء.
فالمطلوب أولاً هو ترجمة مشروع ورؤية السيد الرئيس إلى إجراءات يتم الترويج لها بلغة بسيطة قريبة على الفهم، حيث يتفاعل معها المعنيون في التطبيق مهما كانت مستويات وظائفهم وأعمالهم، والمجتمع بشكل عام لكون انعكاساته سيشعر بها كل سوري.

ولكونه مشروعاً صعباً ومهماً، فهذا يعني أيضاً ضرورة تفسير مراحله وما حققه حتى الآن بأساليب ولغة بسيطة، لأن الوضوح والشفافية في فهم المطلوب من كل فرد في سورية هو الخطوة الأولى والضرورية لتحقيقه وضمان نجاحه.
فالتنمية الإدارية في رؤية الرئيس الأسد وببساطة ووضوح هي: تحقيق العدالة الاجتماعية، إيصال الرجل المناسب إلى المكان المناسب، وقف التوظيف العشوائي والمسابقات غير المنطقية، تطوير الإدارة العامة للدولة ووقف الترهل وتعزيز شعور الانتماء الذي من شأنه أن يساهم في تطوير المؤسسات وتقديم الرؤى والمبادرات والأفكار التي تساعد في نهوض أي مؤسسة من مؤسسات الدولة، والأهم وقف المحسوبيات والواسطات، حيث يشعر كل موظف بأن حقوقه محصنة وأن التدرج في الوظيفة العامة حسب الكفاءة والأداء، وليس وفق أهواء المسؤول.

اليوم، أكبر معضلة تواجه التنمية الإدارية تكمن في الرواتب والأجور، ولا بد من إعادة النظر في قانون العاملين الموحد الذي يعاكس في بنوده العدالة الاجتماعية التي جميعنا يتطلع إليها، ولهدم الفجوة بين الراتب والمعيشة تحتاج سورية إلى استعادة مواردها، وإصلاح «سلالمها» حيث تستقطب الكفاءات ومنها التي هاجرت، ما من شأنه النهوض بالإدارة العامة بشكل عام، وإلى أن يتحقق ذلك، لا بد من المضي في العمل بمشروع التنمية الإدارية الذي يجب أن يكون جاهزاً مع نهاية الحرب، حيث تنهض بسورية وبأسرع وقت ممكن، ونكون مستعدين لإعادة إعمار ما دمرته الحرب من حجر وبشر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن