من دفتر الوطن

إثارة موسك وبراون

| زياد حيدر

في كتابه الصادر 2017 حاول الكاتب الشهير دان براون التنبؤ بمستقبل الجنس البشري، وعلاقته بخالقه، ونظرته للوجود والتطور الطبيعي، على مستويات مختلفة من جزيئات الخلية الحية البدائية، وصولاً للنظريات التطبيقية، وطرق العيش المستقبلي وعلاقتنا بمحيطنا وببعضنا البعض.. وذلك فيما بعد عشرات أو مئات السنين.
الكتاب الذي اسمه «الأصل»، مغامرة بوليسية تجري بشكل أساسي في مدينة برشلونة الإسبانية، أبطالها مخترع ملياردير يتم اغتياله، قبل لحظات من إعلانه اكتشافاً سيغير نظرة البشرية لنفسها، ماض ومستقبل، وعالم آخر سيحاول بمعونة مديرة متحف مساعدة المخترع المغدور على إعلان اكتشافه للبشرية.
وبالطبع يسمح كاتب «شيفرة ديفنشي» بعد رحلة تشويقية طويلة، للعالم ومساعدته بالوصول لغايته، وعرض الناتج النظري العلمي الذي توصل إليه المخترع الراحل، فيقود جمهور من مئات ملايين المشاهدين، في بث حي، برحلة تمتد من لحظات الخلق الأولى للبشرية وصولاً لما بعد اللحظة الراهنة، محاولاً استكشاف ما الذي ينتظر الوجود الإنساني من تحديات، تتمثل في طرق نظرته لأصله الروحي والمادي.
ويتحدث براون (على لسان إحدى شخصياته) بأن «التطور هو طريقة الكون في اختبار أدواته وصقلها بشكل مستمر» متابعاً باستعراض نماذج تطور كل أشكال التعبير البشري من رسوم الكهف للرسوم التقنية التي باتت قادرة على صنع واقع افتراضي يحاكي الحقيقي دقة، حتى يصل لنتيجة مفادها أن «الجنس البشري» كما نعرفه الآن في طريقه للانقراض، ليحل محله نوع جديد يدمج بين العنصر الذي ولد من رحم القرن الماضي وغير حياتنا، وهو التكنولوجيا، والذي تفوق سرعة تطوره سرعة تطورنا كنماذج حية، وأيضاً كطبيعة آلاف المرات.
ويستخلص المخترع الشاب أن ما سيجري هو ولادة جنس جديد يدمج بين العنصرين، وذلك بشكل يسمح بتعايش العنصرين الطبيعي التقليدي والمستجد.
أيضاً يذهب أبعد من ذلك، حين يتوقع بانتصار التكنولوجي مع تقدم الزمن، بحيث تصبح الحاجة ماسة لإعادة تصور نظرتنا للحياة وفلسفتها بالمجمل.
أثناء القراءة، لا تستطيع إلا أن تفكر برجل واحد تنطبق عليه الكثير من صفات شخصية المخترع الخيالية.
إنه إيلون موسك، المخترع الملياردير، الذي يشكل أحد أهم منظري المستقبل التكنولوجي في الكون.
والمفارقة أن متعة القراءة، وإثارة المطابقة مع الواقع، وهو أسلوب فريد لدى براون، تزامن مع خبر قرأته منذ أيام بطله موسك.
إذ أعلن الأخير اًن شركته «نيورالينك» تعمل الآن على بناء «خيوط» صغيرة ومرنة، أرق 10 مرات من شعرة الإنسان، يمكن إدخالها مباشرة في الدماغ، وذلك بهدف تمكيننا من ربط أدمغتنا بأجهزة الكمبيوتر، بشكل يمكن أن يساعد البشر في منافسة الذكاء الصناعي.
وتمنح التقنية الجديدة الدماغ قدرة التواصل المباشر مع الأجهزة الخارجية، بما فيها أجهزة الكمبيوتر.
ووفقاً للخبر فإن التقنية الجديدة التي تم تجريبها تموز الماضي، سمحت بالفعل لقرد بالتحكم بحاسب بعقله خلال الاختبارات، وأنه في حال تمكن من تجريب ذلك على كائن بشري نصبح قريبين من مرحلة تحويل البشر إلى «سايبورغ» فائق الذكاء، وهو هدف موسك النهائي لاختباراته،
دون الحديث عن فوائده الطبية في التعويض عن أقسام مفقودة من الدماغ بسبب السكتة الدماغية، أو الحوادث، أو التشوهات الخلقية.
سباق ممتع، بين خيال الأديب، وخيال المخترع، ولكن دون إجابات وافية، عن أصلنا ومستقبلنا كجنس مر على خلقه عشرات آلاف السنين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن