من دفتر الوطن

ذكريات إذاعية

| عصام داري

احتفلت إذاعة دمشق في الثالث من شباط بعيدها الثالث والسبعين.
لم يمر عام على عيد الجلاء حتى تأسست إذاعة دمشق في الثالث من شباط عام 1947، يومها سمع السوريون، والعالم عبارة «هنا دمشق» بصوت الأمير يحيى الشهابي مدشناً ثاني إذاعة عربية بعد إذاعة صوت العرب المصرية.
منذ ذلك التاريخ لعبت هذه الإذاعة دوراً رائداً ومميزاً في المجالات كافة، وعلى وجه الخصوص السياسية والفنية، على الساحتين العربية والعالمية وليس فقط على الساحة السورية المحلية.
أذكر، ويذكر أبناء جيلي معي، أن إذاعة دمشق كانت رفيقتنا من الصباح الباكر وحتى منتصف الليل.
قبل التوجه إلى مدارسنا كان البرنامج الصباحي «مرحباً يا صباح» يعطينا جرعة طاقة إيجابية مع أغاني فيروز، والكثير من العبر والأقوال المأثورة والأشعار بصوت المذيعة المميزة نجاة الجم والمذيع الكبير منير الأحمد ابن بدوي الجبل ووالد الصديق الأستاذ محمد الأحمد وزير الثقافة الحالي.
وفي منتصف الليل يأتينا صوت المذيع والمخرج لاحقاً، عادل خياطة، من خلال برنامج «الليل والشعر والموسيقا» الذي تدل تسميته على نوعية المادة التي يقدمها.
في رمضان كان السوريون يتناولون طعام إفطارهم على صوت مروان شيخو الروحاني من خلال برنامج «تحية الإفطار» الذي يأتي بعد أذان المغرب مباشرة، وفي فترة السحر، وقبل الانتقال إلى جامع بني أمية الكبير كان يأتينا دعاء في منتهى الروعة للشيخ علي الجمال، وبعد الانتقال إلى الجامع الأموي كانت فترة السحور التي تتضمن تلاوة من القرآن الكريم ووصلة موشحات دينية يقدمها توفيق المنجد وسليمان داوود وفيما بعد انضم إليهما حمزة شكور.
ومن المواقف القومية المشرفة التي وقفتها إذاعة دمشق نذكر أنه خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 شنت الطائرات البريطانية والفرنسية غارات مكثفة على أهداف مصرية أسفرت فيما أسفرت عن تدمير هوائيات الإرسال الرئيسية للإذاعة المصرية في منطقة صحراء أبي زعبل ما أدى إلى قطع بثها، فما كان من المذيع عبد الهادي بكار إلا وأعلن من إذاعة دمشق الآتي: (هنا القاهرة من دمشق، هنا مصر من سورية، لبيك لبيك يا مصر).
وإذاعة دمشق لعبت دوراً كبيراً في نشر الفن العربي الراقي، فكانت انطلاقة فيروز والرحابنة الحقيقية من إذاعة دمشق، وكان ذلك من خلال أغنية (عتاب) التي سجلت أولاً في الإذاعة اللبنانية لكنها لم تنتشر، فأعيد تسجيلها في إذاعة دمشق في عام 1952 وانتشرت على الساحة العربية برمتها.
وأنا أستعيد تلك الذكريات الإذاعية عليّ أن أسجل حقيقة أنني لم أكن لأتصور يوماً ما مهما شطح في الخيال أن أعمل في هذه الإذاعة فضلاً عن تسلم مسؤولية الإعداد والإشراف على العديد من البرامج السياسية والفنية والمنوعة، كما حدث معي منذ العام 1980، وحتى اليوم.
في هذه المناسبة نتذكر أسماء العديد من المديرين الذين تركوا بصمتهم في إذاعة دمشق، ومنهم: الأمير يحيى الشهابي، أحمد عسه، خضر الشعار، خضر عمران، عبد الكريم إسماعيل، صفوان غانم، علي عبد الكريم وغيرهم، وأرى أن تطلق أسماؤهم على أستوديوهات وقاعات الإذاعة تكريماً لهم على ما قدموه في مسيرة الإذاعة الطويلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن