رياضة

كبار الدوري أخفقوا في مرحلة الذهاب … ثقافة كروية بالية وتعامل «هش» مع الاحتراف

| ناصر النجار

قبل انطلاق الموسم الكروي للدرجة الممتازة واستناداً إلى ما تم تحضيره ودفعه من مال والتعاقد مع لاعبين دوليين محليين من الأندية العربية، توقعنا أن نجد موسماً مثيراً قوياً فيه جمالية كرة القدم وأداؤها الراقي، ولكن للأسف لم نجد هذا ولا ذاك، بل تطاولت الأندية الفقيرة على كبار الدوري ولقنتها دروساً في الإخلاص والولاء وحسن الأداء.
وتوقعنا أيضاً أن يرتفع مستوى الدوري ليماثل بعض الدورات العربية القريبة من حدودنا، ولكن للأسف تراجعت الكثير من المباريات بمستواها إلى الحضيض ونخجل إن قلنا إنها كانت تماثل دوريات الدرجات المتدنية في البلاد النامية كروياً.
ومرد ذلك نرجعه إلى العقلية الكروية التي تتعامل مع الكرة في الأندية، فهذه الأندية فهمت أن الاحتراف هو المال فقط، فحشدت الأموال المطلوبة وساهمت بعروضها غير المنطقية إلى رفع أسعار اللاعبين إلى درجة جنونية، وصار هم اللاعبين المال ولا شيء غيره، فاستغنى البعض عن مبادئه وعن أقواله وتعهداته وهرول وراء من يدفع أكثر، والأغرب من ذلك أن النخب الثاني من لاعبينا وبعضهم بلغ أرذل العمر طلب مبالغ قياسية غير منطقية ولا تتناسب مع حجم عطائه ومستواه.
وما حدث في هذا الدوري جعلنا نتأكد بالمعلومة والرقم مما نقوله، والحصيلة النهائية هدر للمال العام ومستوى أسوأ مما قبل ونتائج مخيبة حصدتها الفرق التي دفعت مئات الملايين لتحصل على الدوري، لكنها لم تجن إلا الخيبة.
وعليه فإن الأصول إن أردنا سلوكه أن يتم الاستغناء عن اللاعبين الذين لم يثبتوا وجودهم ومقدرتهم في الدوري وأن يتم استبدالهم بالمواهب الشابة وهو أفضل للأندية وأقوم لكرتنا.
قبل انطلاق الدوري ظننا أن الوحدة وحطين والاتحاد قادمون للقبض على الصدارة بقوة مع منافسة من تشرين والجيش، لكن حساباتنا كانت في خبر كان، فماذا حدث؟
الأمثلة القادمة غيض من فيض وتدل على هزالة ثقافتنا الكروية وبمثل هذه العقلية لن تتطور كرتنا.

الأيقونة
أسامة أومري أيقونة نادي الوحدة والفتى المدلل عاد إلى ناديه بعد إصابة قاسية وغياب لموسم كامل في رحلة علاج طويل، النادي دفع للأومري 77 مليون ليرة سورية ليلعب معه، وشارك ببضع مباريات لا تتجاوز عدد أصابع اليد وسجل هدفاً واحداً ثم غادر إلى قطر بعد أن دفع لناديه مبلغ 15 مليون ليرة سورية لا غير.
هذه القصة تشير إلى أن اللاعب نال من النادي أكثر مما يستحق فالمبلغ المدفوع مفترض أن يلعب به مباريات الدوري والكأس، أي بمجموع مباريات يتجاوز 30 مباراة، لم يلعب ربعها.
ونعتقد (كما قيل لنا) أن اللاعب جاء إلى النادي غير جاهز من إصابته تماماً، فكيف حدث هذا؟ مع العلم أن الفحص الطبي هو الذي يخول أي لاعب للتعاقد مع أي ناد، ولنا في ليفربول خير مثال عندما لم يضم اللاعب نبيل الفقير من ليون إلى صفوفه لأنه فشل في اجتياز الفحص الطبي.
في قضية الأومري نعتقد أن النادي ظلم نفسه ويجب عليه أن يسترجع أمواله من اللاعب، ونعتقد أيضاً أن النادي كان وسيلة لاستجرار عقد خارجي، وبالمحصلة العامة نقول لمن يطبل ويزمر من استنفاد مِن مَنْ؟ هل نادي الوحدة استفاد من الأومري، أم الأومري هو الذي استفاد من النادي؟
وألا يدل هذا على ضعف التعامل مع الاحتراف وسوء إدارة الأندية، وهل وراء الأكمة ما وراءها؟

الحوت يغرق!

غرق الحوت إدارياً قبل أن يغرق فنياً وفي ذلك أسباب، لكن السبب الرئيس هو ضعف إدارة كرة القدم وهو داء كرتنا، فليس من الضرورة عندما تكون ناجحاً في أعمالك الخاصة أن تكون ناجحاً بقيادة ناد، فالرياضة صارت اختصاصاً، وكرة القدم تحتاج إلى من يفهمها ويعرف كيف يتعامل معها.
حطين اختار نجوم المنتخب السوري في السنوات العشر الأخيرة، واستقطب لاعبيه من الأندية البارزة محلياً ومن أندية عربية، ولكي يحظى بود هؤلاء اللاعبين رفع الأسعار بشكل غير مسبوق.
حطين لم يحسن التعامل مع كوكبة اللاعبين المتميزين لأنه ظن أن دوره انتهى مجرد أن وقّع العقود ودفع المال، ومجموعة اللاعبين ظنت أن الجهاز الفني أقلّ من مستواها.
والجهاز الفني ضاع في التشكيلة ولم يعد يعرف من يرضي ومن يبعد مع زحمة اللاعبين الكثر!؟ والنتيجة أن حطين خسر ماله المدفوع وخسر رهانه على الدوري وخسر جمهوره الكبير الذي غضب على فريقه وإدارته.
وعلى الصعيد العام فقد أضرت إدارة نادي حطين بغيرها من الأندية عندما رفعت أسعار اللاعبين إلى مستوى قياسي عجزت عن سداده كبار الأندية، كما أضرّ أندية الوسط والمؤخرة عندما عجزت عن تلبية طلبات لاعبيها المالية، وقد طالبوا بمبالغ تفوق مستواهم كثيراً.

قيم أخلاقية
نادي الاتحاد بنى فريقاً مثالياً واستعان بمدرب محترف تونسي ودفع العير والنفير للفريق الذي ضم نخبة اللاعبين المميزين في السنوات العشر الأخيرة، فضلاً عن المواهب الشابة التي يعتبر نادي الاتحاد مفرخة لها.
لكن الفريق لم يقدم أدنى المطلوب، وعلى سبيل المثال فالخسارة أمام الساحل والجزيرة هما من مؤخرة الدوري تعتبر (كارثية) ولا تتناسب مع اسم النادي ومستوى لاعبيه وحجم الإنفاق والدعم.
القضية في نادي الاتحاد قضية أخلاقية، وهي تشير إلى وجود مؤامرات خفية تحاك من تحت ولا ندري ما المقصود من هذه المؤامرات! فالمدرب غير مرضى عنه من بعض اللاعبين، والبعض الآخر يرون العكس، وهناك من يحرك الخلاف وكأنه (محراك الشر)، وإدارة النادي بعيدة كل البعد عن كل ما يجري؟
والنتيجة أن النادي يتهاوى ويتصدع بمعول أبنائه الذين يظنون أنهم مخلصون لقميصه، والسبب أنهم خارج مصنع القرار، أو من بعض اللاعبين الذين هم خارج حسابات المدرب.
والمشكلة تتمثل بضعف الانتماء والولاء للنادي، وبضعف القرار الإداري، وبسوء تعاملنا مع الاحتراف الذي نعتقد أننا لم نفهم منه إلا تحرير العقود ودفع المال.

الحلول
الأمثلة التي تحدثنا عنها هي جزء مما نعرفه ويعرف الكثير منه الشارع الرياضي، والحلول أولاً تكمن في الاحتراف ذاته، لذلك من الضروري أن يتم وضع الضوابط لتطبيق احتراف عملي يضمن حقوق الأندية، ويصون المال المهدور بلا طائل.
وعلى الأندية الاعتناء بقواعدها واستقطاب المواهب منهم وزجهم بالفريق الأول وبرأيي أن هذا الحل هو أفضل من التعاقد مع أشباه اللاعبين.
بعد السنوات الماضية العجاف نجد أن كرتنا باتت تحتاج إلى ضخ دماء جديدة، ولا بأس من دماء شابة تغزو صفوف الرجال لأن النتيجة التي ننتظرها سنجدها في السنوات القادمة سواء على صعيد المنتخبات الوطنية أم على صعيد الأندية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن