ثقافة وفن

«التحليل النفسي الذاتي» البحث عن الأسباب التي تدفع حياتنا إلى التغيير

| جُمان بركات

يحاول الإنسان دائماً سير روحه في الزمن القديم، كان عدد قليل من الفلاسفة يستشعرون الصعوبات التي يتطلبها القيام بهذه المهمة، وكان يجب انتظار سيغمون فرويد في نهاية القرن التاسع عشر كي يتم الكشف في النهاية عن بعض خفايا الشخصية، توصل فرويد إلى اكتشافاته الأساسية عن الحياة النفسية من خلال دراسة شخصيته الذاتية، كانت أحلامه وأزماته العصبية وزلّات لسانه الموضوعات الأولى لتحليله، التحليل الذاتي، في النهاية، ممكن شرط احترام بعض الشروط وألا نكون نعاني من مرض نفسي حقيقي يتطلب تدخلاً تحليلياً، بعبارة أخرى يمكن أن يكون التحليل الذاتي مفيداً لكل شخص كائناً من كان إلا في حالة مرض عقلي خطير.
يقول الكاتب أندريه روبرتي في كتابه «التحليل النفسي الذاتي» ترجمه د. غسان بديع السيد والصادر عن وزارة التعليم العالي- جامعة دمشق- الآداب العلمي: نحن نعاني جميعاً مهما كنا متوازنين من مشكلات تطرحها علينا شخصيتنا، يحدث معنا جميعاً المرور في لحظات شك، وفقدان الثقة في النفس والمرور في لحظات ضعف ذاتية مرتبطة بالطبيعة البشرية مثل الغيرة والخوف والخجل لكن لايحدث أي شيء مصادفة، إن كل ما نحن عليه وكل ما نفكر فيه هو نتيجة آليات نفسية كامنة في أعمق نقطة من لا وعينا، مكبوتة ويجب علينا تفهمها.
علم حقيقي

التحليل النفسي ليس فلسفة، وهو لا يعتمد كذلك على السحر وهو ليس خرافة مثلما يعتقد بعضهم، إنه علم حقيقي ولهذا فإنه من المستحيل الإحاطة به بصورة كاملة في صفحات قليلة في كتاب، هذا الكتاب ليس لاستخدام من يريد دراسة التحليل النفسي، في المقابل سيجد القارئ فيه منهجاً سيسمح له بفهم عدد من المظاهر الغريبة عن شخصيته، والتي حتى وإن كانت غير مؤذية فإنها تبقى غامضة ولا إرادية غالباً، كما لو أنها تنبثق بصورة تلقائية وتتحكم فيها قوة داخلية لا تقاوم، تؤدي الأحلام أيضاً دوراً مهماً في حياة الإنسان لأنها المفتاح الذي يسمح بفهم بعض الرموز السرية فإنه من الضروري في بعض الحالات اللجوء إلى علم الرموز الذي يكشف كبتاً جنسياً قديماً ورغبات غير مشبعة ودوافع مكبوتة.

حياة أفضل
وفي مقدمته يقول المترجم د. غسان السيد: يحاول هذا الكتاب تحسين حياة الإنسان في ضوء الضغوط النفسية الهائلة التي يتعرض إليها إنسان العصر الحديث، نحن نعاني جميعاً مهما كنا متوازنين من مشكلات تطرحها علينا شخصيتنا التي تشكل أساسها النفسي في مرحلة الطفولة الأولى التي تؤثر في تكويننا من دون أن ننتبه إلى ذلك أو أننا نتجاهلها لأسباب مختلفة، نحن نتغير باستمرار لكن بسبب استمراريتنا في الزمن لا نشعر بتغيرنا لكننا لا نتغير أبداً من دون سبب.
يحاول هذا الكتاب أن يساعدنا في البحث عن الأسباب التي تدفع حياتنا إلى التغير من دون القدرة على السيطرة على هذا التغير ويبدو -بحسب رأي المؤلف- أن مشكلاتنا التي نواجهها حينما نصبح راشدين نابعة من الظروف التي عشناها في مرحلة الطفولة، بعبارة أخرى حين نواجه مشكلة في حياتنا علينا أن نبحث عن الحل في داخلنا وليس في العالم الخارجي الذي يمكن أن يكون عاملاً مساعداً لكنه ليس هو الأساس، ومن هنا يأتي عنوان هذا الكتاب «كيف تحلل نفسك ذاتياً» الذي يقدم للقارئ المبادئ الأولية التي تساعده على تحليل نفسيته، هذا إذا لم يكن يتعرض إلى أزمة نفسية حادة تجعله محتاجاً للطبيب النفسي، يبدأ الكتاب بالسؤال «كيف تصبح محللاً نفسياً لذاتك؟» الذي يجيب عنه المؤلف بإسهاب بدءاً من تعريف المحلل النفسي وانتهاء بتقديم مجموعة من النصائح.
أما الفصل الثاني الذي يحمل عنوان «قراءة شفرة روحنا» فإنه يركز بشكل أساسي على موضوع الأحلام الذي درسه التحليل النفسي لاسيما بعد إسهام «فرويد» الكبير في هذا المجال، تحمل الثقافة الشعبية معلومات خاطئة كثيرة عن الأحلام، وهي تعدها نبوءة لما سيحدث في المستقبل وهذا غير صحيح لأن الأحلام من وجهة نظر التحليل النفسي لها علاقة بالماضي وليس بالمستقبل إضافة إلى أن زمن الحلم أقصر بكثير مما يتصور الناس الذين يعتقدون أنهم عاشوا حلماً لليلة كاملة، ويحاول المؤلف أن يقدم بعض الرموز الكاشفة للأحلام ودلالاتها.
والفصل الثالث الموسوم «هل نحن جميعاً عصابيون؟» يخص الجميع في ضوء الظروف الحالية التي نعيشها وتجعلنا نعيش توتراً دائماً حيث يعمل المؤلف على توصيف الحالة أولاً قبل تقديم مشورته العلمية للتخلص من هذه الحالة أو على الأقل التخفيف من أثرها.
ويكمل الفصل الرابع الموسوم «في غاية التوتر» الفصل الثالث، ويضيف إلى ذلك عمله على كشف الروابط بين الأمراض الجسدية والاضطرابات النفسية، يوجد اتفاق بين علماء النفس على أن قسماً كبيراً وشائعاً من الأمراض الجسدية يعود إلى أسباب نفسية مثل الاضطرابات المعوية وتشنجات الكولون والصداع النصفي، ويحلل المؤلف في الفصل الخامس المعنون «عقدة الدونية وأسبابها» إحدى أهم العقد النفسية التي يعاني منها الإنسان، تعد عقدة الدونية واحدة من أخطر العقد النفسية التي نعيشها لأنها تجعلنا في حالة اضطراب نفسي دائم وكالعادة يعمل المؤلف بعد توصيف الحالة على تقديم المشورة التي تساعد الإنسان على التغلب على هذه العقدة.
يهتم الفصل السادس المعنون «الزواج والجنس» بموضوع قلما نتطرق إليه على الرغم من خطورته على الحياة المستقبلية للزوجين، تحاول المجتمعات المختلفة إخفاء كل ما يتعلق بحياتها الجنسية حتى وإن أوصل ذلك إلى خلق مشكلات نفسية تؤثر ليس فقط في حياة آلاف الأسر ولكن بحياة ملايين الأطفال، يتتبع المؤلف الحياة الجنسية للإنسان منذ طفولته الأولى إلى أن يصبح راشداً ويتزوج أو يعيش تجاربه الجنسية الأولى، ولا يغفل هنا أيضاً أهمية التربية الجنسية التي يتلقاها الطفل لأنها تؤثر في حياته كلها، كما أنه يناقش بشكل علمي المشكلات الجنسية التي يواجهها الرجل والمرأة في حياتهما.
وقبل أن يختم المؤلف كتابه يتوقف في الفصل السابع عند ظاهرة الخوف متحدثاً عن أسبابها ومظاهرها وأشكالها، ليكون الفصل الثامن الأخير بعنوان «كيف تعيش بشكل أفضل» ختاماً لكتابه حيث يقدم مجموعة من النصائح التي تساعد الإنسان في المحافظة على توازنه النفسي وبالتالي يحافظ على صحته وشبابه ويجعل حياته أطول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن