قضايا وآراء

نهاية سياسة «النفس الطويل»

| موفق محمد

لم تعد الخلافات الروسية التركية بشأن منطقة «خفض التصعيد» الرابعة في شمال غرب سورية، تندرج في إطار التحليل والتكهن، فالاتهامات العلنية المتبادلة بين الجانبين بخرق الاتفاقات الخاصة بالمنطقة، ووصول الأمر إلى درجة التهديدات يؤكدان أن تلك الخلافات كبيرة للغاية.
اتفاق «منطقة خفض التصعيد» الرابعة منذ الإعلان عنه في الجولة السادسة من «مسار أستانا» منتصف أيلول 2017 من قبل ضامني المسار: روسيا وإيران وتركيا، أكدت كل من موسكو ودمشق مراراً أنه «مؤقت» ويهدف إلى إيجاد حل سلمي للمنطقة وتجنب إراقة مزيد من الدماء، وأن مصير المناطق المشمولة في الاتفاق وهي محافظة إدلب، وأجزاء من ريف حماة الشمالي، وجزء صغير من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وجزء من ريف حلب الجنوبي الغربي، هو العودة إلى سيطرة الدولة السورية.
الخلافات بين موسكو والنظام التركي لم تنشأ مع استئناف الجيش العربي السوري لعمليته العسكرية ضد الإرهابيين في المنطقة بدعم من حليفه الروسي مؤخرا، وإنما بعد مضي أيام قليلة على الاتفاق، بسبب عدم التزام رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان الذي يعرف بأنه أكاديمية في الكذب، بتنفيذ بنوده المتمثلة بلجم التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة التي يعتبر هو الضامن لها عن الاعتداء على مواقع الجيش العربي السوري والمناطق الآمنة.
حدة تلك الخلافات تصاعدت نوعا ما بين الجانبين مع عدم التزام أردوغان بتنفيذ اتفاق «سوتشي» الذي تم في أيلول 2018 بين موسكو وأنقرة ونص على إنشاء منطقة «منزوعة السلاح» في محيط «منطقة خفض التصعيد» في الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي والميليشيات وسحب السلاح الثقيل منها ومن ثم انسحاب التنظيمات الإرهابية منها والذي كان من المفترض أن يتم في منتصف تشرين الأول من العام نفسه.
وعلى الرغم من سياسة التسويف والخداع التي واصل أردوغان السير فيها بشأن تنفيذ الاتفاق، اتبعت دمشق وموسكو سياسة النفس الطويل و«الفرص» الممنوحة لأردوغان على الأمل بتنفيذه الاتفاق، مع إرسالهما بين الحين والآخر رسائل بالغة له بأنهما قادرتان على استعادة المنطقة عسكريا وذلك من خلال تحريرهما للعديد من المناطق على فترات متقطعة كانت باكورتها استعادة مدن وبلدات قرى ريف حماة الشمالي ومدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي في آب الماضي.
لكن صبر دمشق وموسكو يبدو أنه نفد من كذب وتسويف ومماطلة النظام التركي في تنفيذ التزاماته المتعلقة باتفاق «سوتشي» وأدركتا أن تحرير المنطقة لا يمكن أن يتم إلا بالحديد والنار، فاستأنفتا العملية العسكرية في المنطقة نهاية كانون الأول الماضي لتتساقط المعاقل الرئيسية للإرهابيين كأحجار الدومينو الواحد تلو الآخر بيد الجيش العربي السوري، بدءاً من معرة النعمان ومن ثم سراقب والعشرات من بلدات وقرى ريف حلب الغربي ومن ثم السيطرة على الطريق الدولي المعروف بـ«إم 5» ومتابعة التقدم باتجاه الحدود التركية مع التزامهما باتفاق «سوتشي» الأمر الذي أفقد نظام أردوغان صوابه خصوصاً مع مقتل العديد من جنوده بنيران الجيش العربي السوري وهم موجودون في مواقع الإرهابيين لتقديم الدعم لهم.
مما لاشك فيه، أن دمشق وموسكو ما كانتا لتستأنفا العملية مؤخراً والمضي بها بهذا الشكل لولا يقينهما، بأن «السلطان» العثماني الجديد الغارق في حلم إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية القديمة، لا يمكن أن ينفذ بندا واحدا من اتفاق «سوتشي»، وإدراكهما أيضاً أن أهدافه في سورية أبعد بكثير من مزاعمه بـ«حماية الأمن القومي»، وتتمثل في احتلال مناطق من البلاد وإقامة كيان «إخوانجي إرهابي»، الأمر الذي دل عليه بوضوح إرساله آلاف الجنود والآليات إلى المنطقة، وهو ما لم تسمح به دمشق البتة، ويتعارض مع خطوط روسيا الحمراء التي طالما شددت عليها والمتعلقة بالحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة الأراضي السورية غير القابلة للتجزئة.
مجريات الأحداث في منطقة «خفض التصعيد» الرابعة في شمال غرب سورية تؤكد أن دمشق وموسكو ماضيتان في تطهير المنطقة من الإرهاب وإعادتها إلى سيطرة الدولة السورية، وأن سياسة النفس الطويل و«الفرص» انتهت ولا مجال للعودة إلى الوراء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن