ثقافة وفن

المسرح بأبسط أشكاله ممثل ومتفرج وخشبة … المخرج ياسر دريباتي لـ«الوطن»: تأسيس جيل مسرحي يعي أهمية المسرح عبر إقامة ورشات غنية

| هناء أبو أسعد

خريج المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، ألف وأخرج العديد من الأعمال المسرحية منها «ليلى والذئب» و«مطر» و«وجوه من خرز» و«عزف منفرد» و«يوم – يومان – ثلاثة».. تبنى تأسيس مهرجان المونودراما المسرحي في مدينة اللاذقية، وهو الآن مدير للبيت العربي للموسيقا. قدم مؤخراً مسرحية تانغو.. الرقص على إيقاعات من الحزن على خشبة المسرح وسيعرض في دمشق يومي 19 و20 من هذا الشهر على مسرح القباني. الفنان «ياسر دريباتي» حلّ ضيفاً على صحيفة «الوطن» في الحوار التالي:

نبدأ من «الباص الثقافي» تلك الظاهرة الثقافية المتميزة التي قدمت مجموعة من النشاطات «موسيقية – غنائية – سينمائية – مسرحية» في باصات النقل الداخلي في مدينة اللاذقية، ما هدفك من ذلك؟
ربما تشكل احتفالية اليوم العالمي للموسيقا وتجربة الباص الثقافي فرصة لاختبار خشبة جديدة للمسرح، لأنني أعتقد أن المسرح بأبسط أشكاله هو ممثل ومتفرج (مرسل ومتلق)، وفي غياب خشبة المسرح وانغلاقها على تجارب تقليدية وآمنة للقائمين عليها يصبح البحث عن المسرح البديل ليس بحثاً شكلياً وإنما حاجة لخلق منصات جديدة للتواصل وطرح جديد قادر على تقديم نصوص تمتلك حساسية جديدة على مستوى الطرح النظري والفني.
كانت التجرية الأولى مع عربة المسرح التي جالت شوارع اللاذقية وحدائقها وقدمت الفرجة المسرحية لجمهور واسع ربما يشاهد العرض المسرحي لأول مرة، وهذه التجربة أضافت لمهرجان المونودراما في اللاذقية سنة 2010 جغرافية جديدة لا يستطيع المسرح التقليدي الوصول إليها واستطاعت بناء تواصل جديد وكيمياء مسرحية جديدة. الباص الثقافي هو بحث فرجوي لأنه مهما تعددت وتنوعت التقنيات المستخدمة في المسرح من إضاءة وديكور وسينما يبق جوهر المسرح وسحره هو ممثل ومتفرج (مرسل ومتلق) يعيش لحظة الأداء السحرية، اللحظة الأبدية والمتغيرة في الوقت نفسه بتغير المتلقي، لحظة هي جمرة تتوهج وتشتغل، تخبو لكنها لا تنطفئ لأنها تبقى وتحفر عميقا في وجدان المتفرج وعقله.

«البيت العربي للموسيقا» وأنت مديره، هل يهتم فقط بالموسيقا أو له نشاطات أخرى؟
البيت العربي للموسيقا والفنون في اللاذقية ليس مجرد معهد لتعليم الموسيقا والفنون فقط وإنما يسعى منذ تأسيسه عام 2003 لأن يكون مؤسسة فنية ثقافية تنشئ جيلاً جديداً متعلماً ومؤمناً بأهمية الفن ودوره في تكوين الإنسان الوجداني والمعرفي. اشتغل البيت العربي على تجذير الفن في الحياة الاجتماعية والثقافية في اللاذقية، ليس من خلال تعليم الفنون فقط وإنما عبر نشاطه الفني بشكل عام، حيث أنجز العروض المسرحية وأقام الأماسي الموسيقية والمهرجانات والمعارض التشكيلية وورش العمل التخصصية في مختلف ميادين الفن، كما عمل البيت العربي للفنون على رعاية المواهب الموسيقية والفنية في اللاذقية، ويتطلع البيت العربي للفنون لبناء مجتمع منفتح مثقف محب للفنون ومؤمن بها كحاجة وجدانية وروحية واجتماعية، وقيمتها الاجتماعية في كونها فرجة تغني ذائقتنا وأرواحنا ونلتقي من خلالها لنشكل نسيجاً اجتماعياً قوياً عصبه الحب والتسامح والامتلاء الروحي الذي تخلقه الفنون.
ماذا عن مهرجان المونودراما الذي تبنيته عام 2005؟
جاءت ولادة مهرجان اللاذقية للمونودراما عام 2005 لتسجّل ولادة أول مهرجان مسرحي أهلي في سورية نظمته مؤسسه أهلية هي البيت العربي للموسيقا، واحتراماً للمسرح وللتاريخ لا بدّ من الإشارة إلى أن ولادة المهرجان تأخرت سنتين بسبب بيروقراطية المؤسسة الثقافية والمسرحية في اللاذقية في ذلك التاريخ التي أعاقت إقامة المهرجان الذي استطاع عبر سنواته السبع (2005- 2012) تقديم خطاب مسرحي نوعي يحترم ذائقة المتفرج وفكره.
ما يميّز مهرجان اللاذقية للمونودراما هو اشتغاله على تأسيس جيل مسرحي يعي أهمية المسرح عبر إقامة ورشات في الكتابة المسرحية وإعداد الممثل، جميع هذه الورش أقيمت بالتعاون مع المسرح الجامعي في جامعة تشرين بين عامي 2005 – 2012 وأشرف عليها أهم المسرحيين السوريين والعرب (جهاد سعد – أمل عمران – ندى الحمصي – نضال سيجري – زهيرة بن عمار…. وآخرين).
هذه الورش رفدت المسرح في مدينة اللاذقية بطاقات مسرحية موهوبة ومتدربة أسهمت في إغناء الحركة المسرحية وأعطت المسرح ممثلين وكتّاباً ومخرجين… وممّا يدعو للأسف تجاهل القائمين على المسرح في اللاذقية لمبادرة البيت العربي في إقامة هذه الورشات.

في عام 2015 قدمت مسرحية «يوم – يومان – ثلاثة» تحدثت فيها عن قصة فتاة هُجرت بسبب الحرب، هل تجد أن العروض التي قدمت خلال فترة الحرب كافية لتوصيف ما جرى؟
لم يكن مشوار الحرب قصيراً، ولم يكن يوماً أو يومين أو ثلاثة أيام كما كان يُقال في بداية الحرب وإنّما كابوس طويل أقضّ مضاجع السوريين، كل السوريين. ليس هناك من ناج في هذه الحرب ومع ذلك يدخلنا المسرح فضاء الخشبة، الفضاء المتخيل الذي نصنعه لنخلق حياة جديدة، حياة قابلة للعيش.
(يوم، يومان، ثلاثة أيام) عرض مسرحي مونودرامي أردنا من خلاله أن نرافع على خشبة المسرح ضد الموت واليأس وقدمنا خطاباً مسرحيّاً فنيّاً يبيّن فداحة الموت وفي الوقت نفسه يبرز قوة الحياة.. يتجسد الموت في حكاية الصبية (موت الأم والإخوة) والمادة الفلمية التي تظهر الدمار والخراب الذي أصاب أكثر المناطق السورية. أمّا الحياة فقد حضرت مع الموسيقا ومع آلة البيانو على خشبة المسرح الذي لعبت دور محرّك درامي فاعل أبرز ثنائية التّضاد: (الحياة والموت) وشكل مشهدية مسرحية ذات طابع تغريبي كسرت الإيهام المسرحي ودفعت المتفرج لتأمل ما يجري وما يحيط به من دمار وخراب وموت، الموت يبتلع كل شيء، ليست مهمة المسرح اللحاق بالموت- الحرب وتوصيفه وإنّما إثارة الأسئلة: لماذا الحرب؟ ولماذا الموت؟ ماذا فعل المسرح السوري في سنوات الحرب!

كيف تجد حال المسرح في المحافظات؟
حال المسرح في المدن السورية يشكّل حال المسرح السوري الذي لم يستطع بسنواته المديدة بناء هوية واضحة وبقي مجرد تجارب مسرحية متناثرة لأن ازدهار المسرح وتطوره لا يكمن في موهبة المشتغلين في المسرح كتّاباً ومخرجين فقط وإنّما في وجود (ريبرتوار) مسرحي تقوده خطة فكرية عامة وأساليب تكنيكية مشتركة، ولم تستطع المؤسسة المسرحية الرسمية (المسرح القومي) التي ولدت مع ستّينيات القرن الماضي بناء هيكلية إدارية حاضنة للعمل المسرحي الإبداعي وقادرة على تطويره عبر بناء فرق مسرحية دائمة في كل المدن السورية وتضم جميع الاختصاصات (مؤلف مخرج، درامانورج، سينوغراف…. الخ).
العارف بحال المسرح السوري وخاصة في المدن السورية يدرك استحالة تحقيق ريبرتوار كهذا وذلك لغياب الكوادر المتخصصة أولاً، وثانياً لأن كعكة المسرح الفقيرة يستولي عليها ما يُسمّى (المخرج المسرحي) وهو دائماً شخص ذو نفوذ إداري يسوّق نفسه كمعدّ ومخرج وممثل… الخ من المهمات الوهمية التي لا يجيد أي منها ويتحصل عليها بطرق وأساليب غير أكاديمية وتعوزها التجربة والخبرة. يصعب الحديث عن نهوض المسرح السوري إذا بقي هذا المسرح رهينة أشخاص أوجدتهم المصادفة والمحسوبية والبيروقراطية الجاهلة.
كيف يتطور المسرح السوري في غياب النقد المسرحي الذي يمثل فعلاً ثقافياً وفنيّاً متّصلاً بالمسرح وبمساراته وبالحياة المسرحية وصور تحققها!

ما جديدك؟
قدمت مؤخراً مسرحية تانغو.. الرقص على إيقاعات من الحزن على خشبة المسرح القومي في اللاذقية ضمن «مهرجان اللاذقية الثاني» من إخراجي ومن تمثيل: نيرمين علي، وريهام التزه، وسيعرض في يومي 19 و20 من هذا الشهر على مسرح القباني في دمشق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن