من دفتر الوطن

أضغاث وطن

| عبد الفتاح العوض

ما الوطن؟!
في الآونة الأخيرة بدأنا نلمس شيئاً مما يمكن أن نسميه «الكفر الوطني» حيث يتحدث المتعبون عن الوطن بلغة اللوم والعتب، انقسم الناس إلى فريقين:
فريق يقول كما قال أحمد شوقي: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي، هم نفسهم أصحاب بلادي وإن جارت عليّ عزيزة.
وفريق آخر يرى أن وما كنت أهوى الدار إلا بأهلها على الدار بعد الراحلين سلام.. هم الذين يعدون الفقر في الوطن غربة.
هذا الموضوع الشائك ليس وليد الساعة فقد مرت حضارات غيرنا بكثير مما مررنا به ووجدوا أنفسهم في حالات معينة أمام هذا الشعور الملتوي.. بين الإيمان بالوطن أو بالكفر به.
في مراحل معينة أصبح العالم يتحدث عما أطلقوا عليه اسم الإنسان المرن..
وفي تعريفة الذي لا يتعلق بوطن ولا بمكان ولا بأهل ولا بأصدقاء.
في علم النفس تحدثوا عما سموه رد الفعل الجنيني، حيث الوطن مثل الجنين، مثل الأم.
أما ارنست بلوخ فأطلق عليه «الفردوس المفقود» حيث الحديث عن الوطن معادل الأمن والسعادة والعيش الرغيد، وعندما يفتقد هذه الأشياء يصبح حسب تسمية علم النفس في مرحلة «صعوبة التكيف في الوطن».
زوايا هذا الموضوع حادة جداً..
الزاوية الأولى أن الكفر الوطني يصل جداً إلى «الخيانة» وهو أمر لمسناه في هذه الحرب بطريقة فجة جداً ورغم أنه ليس من حق أحد أن يشكك في وطنية الآخر، إلا أن ثمة ثوابت تتعلق بالتعامل مع «الأجنبي» لإيذاء الوطن ليس له أي اسم آخر غير الخيانة.
الزاوية الحادة الثانية: أن مجرد التعابير التي يطلقها الناس تحت وطأة المشاكل قد تكون مجرد انفعالات محدودة بالظرف الزماني والمعيشي.. وهذا ما يمكن أن نقرأه في كتابات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يطغى عليها الانفعال أكثر من القناعة.
وفي هذه النقطة بالذات لا يميز الناس كثيراً بين المسؤول وبين الوطن ولا يصبح أي فاصل بين المسؤول والوطن والدولة.
الزاوية الثالثة: لاحظوا معي أن كثيراً من المغتربين سواء خرجوا هجرة أم لجوءاً أو حتى بمقتضيات العمل والمعيشة فإن اهتماماتهم تدخل في تفاصيل «الوطن»، وربما يجري القول ثم إن حال البلد تثير الاهتمام لغير السوريين فكيف بالسوريين لكن بشكل أو بآخر فإن كل الأبواب تقودنا إلى مرحلة أن التعلق بالوطن ليس مجرد تعلق بمكان جغرافي.
الزاوية الرابعة: حب الوطن أو دعنا نقل الانتماء لوطن ليس زواج مصلحة.
إذا تحققت المصالح بين الزوجين استمر الزواج وإن لم يحقق الوطن مصلحتك يحدث الطلاق… الذين يطلقون وطنهم لأنه لا يحقق مصالحهم سيتخلون عن أولادهم الذين ولدو معاقين، وسيطلقون زوجاتهم في حال مرضت بالسرطان.
الزاوية الخامسة: المسؤولون الذين يضيقون على المواطن ويسدون عليه منافذ عيشه هم أصحاب الجريمة الكبرى، هم الطريق المعبد للكفر الوطني.
الزاوية الأخيرة: الذين خانوا وطنيتهم هم الذين استفادوا أكثر من الوطن، هم أول من طعنوه بالقلب، أما الفقراء الذين عانوا في الوطن فهم الذين حموه ودافعوا عنه… مقولة الوطن للأغنياء والوطنية للفقراء مقولة مؤلمة جداً.
ثمة مسؤولون كثر سيجعلوننا نكفر بالوطن، أحب قصيدة لشاعر عراقي يقول فيها:
يا صبر أيوب، لا ثوبٌ فنخلعهُ إن ضاق عنا.. ولا دارٌ فننتقلُ لكنهُ وطنٌ، أدنى مكارمه يا صبر أيوب، إنا فيه نكتمل.

أقوال:
– الصمت الطويل هو الطريق للحزن.. لأنه صورة الموت.
-الحياة هي التي تمر وأنت منشغل بالتخطيط لأمور أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن