قضايا وآراء

إدلب.. التوازن الحرج

| مازن بلال

يطرح الاتفاق الروسي التركي شكلاً إقليمياً مختلفاً للتوافقات الإقليمية المستقبلية، فالتوصل إلى التفاهمات التي تم الإعلان عليها هو حصيلة دولية بالدرجة الأولى، فبغض النظر عن التفاصيل العسكرية المطروحة؛ فإن الآلية التي أنتجت الاتفاق قدمت توازناً حرجاً بالنسبة لأنقرة، فهي بقيت دون أي قدرة على كسب مواقف دولية فاعلة، واصطدمت أيضاً بخلافات ناشئة مرتبطة بموضوع اللاجئين، وفي النهاية كان المخرج الروسي ذروة للأزمة التي أوضحت خللاً واضحاً في طبيعة السياسة التركية.
عملياً فإن الآليات الدبلوماسية للوصول إلى الاتفاق بشأن محافظة إدلب تطرح علاقة إقليمية متشابكة، فأنقرة التي ذهبت بعيداً في الرهان الدولي وجدت نفسها في النهاية أمام خيار وحيد، حيث دفعها الأوروبيون نحو موسكو دون أي موقف يمكن أن يساعدها في التفاوض، فرغبتها في إضافة شركاء لاتفاقها أخفق بعد رفض موسكو لقمة رباعية تضم ألمانيا وفرنسا، في وقت قام وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو بزيارة تركيا بشكل بروتوكولي، وغابت إدلب عن مساحة تصريحات الرئيس دونالد ترامب.
ضمن المساحة المتاحة أمام الرئيس التركي عُقد الاتفاق مع روسيا، وبالتأكيد فإن الكرملين لم يكن مستعداً لدفع تركيا أكثر نحو خيار أكثر صعوبة، فإمكانيات المواجهة المباشرة رغم كونها مستبعدة لكنها ليست مستحيلة، ومعظم التحليلات الأوروبية كانت تتحدث عن «مواجهة الحقيقة» بين البلدين، فهما وصلا إلى نقطة حرجة ستفرض انتهاء للتنسيق بينهما بشأن سورية، وكان على الكرملين التعامل بحذر مع الدور الروسي بخصوص «الشرق الأوسط» عموماً، فصدامات إدلب بدت استحقاقاً مفصلياً أمام موسكو وترتيباتها الإقليمية بشكل عام.
أظهرت ترتيبات اللقاء الروسي مع الرئيس أردوغان رغبة روسية واضحة في الحفاظ على التنسيق مع الجانب التركي، ورغم أن موقف أنقرة كان ضعيفاً نسبياً لكن الرئيس بوتين حرص على تبرير ما حدث للقوات التركية، وقدم رواية تؤشر إلى ثلاثة أمور:
– الأول: إن أي استهداف للقوات التركية لم يكن متعمداً بل نتيجة سوء التنسيق خلال العمليات العسكرية؛ ما يعني ضرورة التعامل بشكل أدق مع الوجود التركي داخل الأراضي السورية.
– الثاني أبقى الرئيس بوتين مستوى الخطاب الروسي بعيداً عن التصريحات الرسمية السورية، رغم وجود قواته إلى جانب الجيش السوري، وكان واضحاً من هذا الموقف البعيد الذي تريده موسكو من دورها كمنسق للعملية السياسية داخل الأزمة السورية.
– أخيراً فإن روسيا فتحت كل النوافذ أمام تركيا في هذا اللقاء لتثبيت قاعدة العلاقات الإقليمية، وتحييد الأدوار الأوروبية التي ظهرت خلال الأزمة الأخيرة.
بالنسبة لسورية ستبقى تركيا «عدواً» حتى خروج جميع قواتها من محافظة إدلب، ومن باقي الأراضي السورية، أما موسكو فإن ترتيباتها تتعامل مع مستوى مختلف متعلق بنظام إقليمي في طور التشكل، فالمسألة بالنسبة لها لا تتعلق بمهزوم ومنتصر إنما بالانتهاء من التوازن الحرج في المنطقة، فالتعامل مع إدلب بالنسبة لروسيا ليس مسألة مرتبطة بتركيا فقط لأن هناك ملفات مختلفة؛ تبدأ بشرقي سورية وتنتهي بنوعية النظام الدولي السائد حالياً.
الخلافات بعد الاتفاق حول إدلب ستستمر، وهي بدت عبر المؤتمر الصحفي للرئيسين الروسي والتركي، وهذا الأمر هو من طبيعة العلاقات الدولية ومن التفاوت في مستوى البلدين، فالهموم التركية ستبقى منحصرة في طموحات حزب العدالة والتنمية في رسم مساحات تركية في شرقي المتوسط، على حين تنظر روسيا إلى منافستها ضمن النطاق الأوراسي العام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن