ثقافة وفن

واقع المرأة في الدراما.. صور نمطية.. وترسيخ عادات.. وإطلاق أحكام.. سليمان عبد العزيز: صورة المرأة مرتبطة بالمناخ وحسب سياق النص وتطوراته

| سارة سلامة

يعتبر التلفزيون من أكثر الوسائل الإعلامية انتشاراً بين الناس وله نسبة متابعة واسعة من مختلف الشرائح الاجتماعية، ويترك وقعاً وأثراً ويكون رأياً ويجذب انتباهاً، ويؤثر في المخزون الفكري للأفراد، ويشكل بمختلف الأنواع الدرامية التي يقدمها في تكوين السلوك الفردي والجماعي وقد يرسخ قيماً معينة موجودة في المجتمع وقد يلغيها أو يصوبها على أقل تقدير، والكثير منها قد يؤدي إلى تغيير أنماط السلوك على المدى الطويل.
لذلك فإن إنتاج المسلسلات والأفلام والمسرحيات والتمثيليات مهما اختلفت تسمياتها بحاجة إلى الكثير من الدقة والدراسة العميقة في كل ما يطرح لأنها تسهم بشكل أو بآخر في البناء الثقافي للمجتمع.
وفي الثامن من آذار ومع احتفال العالم بعيد المرأة حاولنا إسقاط الضوء على واقع المرأة في الدراما السورية والصورة النمطية التي تشكل عنها، وخاصة أنها شريكة في بناء المجتمع وتحررها جزء أساسي من انفتاح المجتمعات والتخلص من العادات البالية.

مرتبطة بالمناخ
ويرى الكاتب سليمان عبد العزيز أن المرأة السورية كانت في تطور دائم وتطورها مرتبط بالمناخ السائد في المرحلة، ويقول عبد العزيز لـ«الوطن»: «في أيام العثمانيين كان هناك شكل، والتحرر من العثمانيين عام 1916م، أخذ شكلاً آخر، وإبان الاحتلال الفرنسي كذلك تبلور واقعها إلى شكل مختلف. فالمرأة السورية تتغير حسب المناخ السائد».
ويؤكد عبد العزيز أن «تناول الدراما للمرأة السورية كان حسب النص، فالنصوص المتحررة تناولتها حسب سياق النص، على أنها متحررة ومتنورة أو تكون امرأة مظلومة أو متسلطة، على حين تناولتها البيئة الشامية من الطرفين المرأة التي تقدم مكائد وربة الأسرة، وعلى سبيل المثال فإن مسلسل «باب الحارة» صورها على أنها عبارة عن امرأة تجلس في البيت تدير المكائد والمشاجرات اليومية، وفي الأجزاء التي كتبتها من «باب الحارة» حرصت على تسليط الضوء على المرأة المحامية والمرأة القوية المتحررة وتحررنا من عقدة النقاب».
ويقول عبد العزيز: إن «صورة المرأة مرتبطة بالمناخ، وبالدراما حسب سياق النص وتطوراته، وأنا مع تنوع الطرح، لأن العمل لا يحدد شخصية المرأة بل المناخ، والمرأة هي من تحدد وجهة نظرها والأهداف التي تريدها».

واقع المرأة في الدراما
وتعتبر قضية المرأة في الدراما قضية إشكالية منذ أيام الدراما المصرية التي انتقلت بكثير من عاداتها إلى الدراما السورية، وظهور المرأة الجميلة في الدراما أو الأفلام المصرية القديمة ليؤمّن تسويقاً أفضل للأعمال.
ونرى أن المرأة تحولت في الكثير من المسلسلات إلى سلعة تلهث وراءها المحطات لعرض الممثلة الأجمل، بعيداً عن الموهبة والتمثيل، وذلك ما ترسخه الآن المسلسلات العربية المشتركة التي تقوم على بطلة غالباً ما تكون «مودل» أو ملكة جمال سابقة لتزجها في أعمال بصورة مبهرجة. وتقدم صورة مبالغاً فيها للمرأة من حيث اللبس والشكل والماكياج على حساب القيمة الفنية من أجل إطالة عدد الحلقات وتسويق العمل.
ولطالما تناولت الدراما السورية قضايا المرأة المختلفة، سواء في تعرضها للاضطهاد أو تعنيفها أو حتى إظهارها بمظهر مثالي في محاولة لترسيخ دورها الإيجابي في المجتمع.
وهناك مسلسلات قدمت الصورة التقليدية للمرأة الخانعة لسلطة الرجل، وحققت هذه الأعمال شعبيةَ كبيرة في الشارع العربي، ما يؤكد هيمنة نمط التفكير الذكوري السلطوي في الشارع الميال إلى العنف بأشكاله ومن ضمنه العنف ضد المرأة.
حيث تظهر المرأة عادة في الدراما الشامية على أنها تابعة للرجل وبلا قيمة وهي عادة مختصة بأعمال المنزل فقط ويستطيع الرجل في أي وقت أن يطلقها ويتزوج غيرها، وهذا لم يكن موجوداً قديماً بل كانت المرأة تناقش وتعقد أحياناً ندوات فكرية وكان لها دور مؤثر وفعال في تربية الأجيال.
وخطورة ذلك تكمن عندما يقدم المعنف على أنه بطل كما في مسلسل (باب الحارة) الذي يظهر الأشخاص الذين يعنفون المرأة بأنهم أشخاص يتمتعون بالعلم والأخلاق، فيكونون قدوة لغيرهم، وهذا من شأنه يكرس فكرة اضطهاد وتعنيف المرأة في المجتمع.
يجب أن يظهر المعنف على أنه شاذ أخلاقياً وبطبعه الإجرام، وليس سوياً، وذلك يساعد في نبذ فكرة العنف بشكل عام والعنف ضد المرأة بشكل خاص، إذ تعتبر الدراما محرضاً لكثير من الأفكار في المجتمع.

الأعمال التاريخية والمرأة
بينما تعاطت أعمال التاريخ الشامي مع المرأة كعنصر فاعل في المجتمع وجزء من الحراك الاجتماعي والثقافي كما في مسلسلات «طالع الفضة» و«بواب الريح» و«حرائر» وغيرها، وعمدت هذه الأعمال إلى إظهار دور المرأة الحقيقي في المجتمع بعيداً عما قدمته أعمال البيئة الشامية والتي اختصرت دور المرأة في الغسيل والطبخ والشجار والوشاية والاهتمام بدلال زوجها في المرتبة الأولى.

أقرب إلى الواقع
لعل سابقاً كان دور المرأة طبيعياً وواقعياً أكثر، مثل شخصية «فطوم حيص بيص» في مسلسل «صح النوم» الذي يقدمها بصورة فاعلة. وهناك مسلسلات حديثة تناولت المرأة بشكل قريب من الواقع مثل مسلسل «قلم حمرة»، الذي أعطى نموذجاً للمرأة السورية القوية التي لا يشكل عندها الزواج هاجساً، وتملك القدرة على تربية أولادها من دون وجود رجل بحياتها.

وجوه معنفة
وقدمت الدراما السورية مسلسلات كانت بطلاتها نساء معنفات ومضطهدات، وذلك عن طريق تصوير ما يسببه العنف سواء للمرأة وحتى للأطفال في المستقبل.
ومن هذه المسلسلات ما يُصنف كأحد أهم الأعمال التي قدمتها الدراما السورية، منها «زمن العار»، و«غزلان في غابة الذئاب» للمخرجة رشا شربتجي، اللذان طرحا قضايا نساء يتعرضن للظلم والتهميش والتعنيف، وما نجم عن تلك المعاملة من آثار مجتمعية سلبية، مقدمين تحذيرات للمجتمع من اتباع هذا السلوك العنيف.
وهناك مسلسلات مثل «رجال تحت الطربوش»، و«ظل امرأة» الذي لعب دوراً كبيراً في رفع سن الحضانة وتعديل قانون الأحوال الشخصية.

حملوا رايتها
وهناك كاتبات سوريات حملن قضية مناهضة العنف ضد المرأة في كتاباتهن التي تحولت إلى مسلسلات، مثل يم مشهدي، وريم حنا، إضافة إلى كتاب ذكور مثل رافي وهبي، قدموا أعمالا عبرت عن تطلعات المجتمع بأن تكون المرأة قائدة لنفسها وأحياناً لغيرها مثل شخصية «وردة» في مسلسل «غداً نلتقي» التي تعتمد على نفسها في مخيم اللجوء وتساعد جيرانها بمن فيهم الرجال، حتى تصل إلى أوروبا وتكمل دراستها.
ومهما اختلفت طريقة تعاطي صناع الدراما السورية مع المرأة إلا أن الملاحظ أن المرأة عنصر أساسي في الدراما السورية وإن لم تكن بأعمال كاملة فبخطوط درامية رئيسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن