ثقافة وفن

دمشق تحتضن مهرجان «الثقافة تجدد انتصارها» … وزير الثقافة: لم يتوقف العقل السوري المبدع الخلاق عن التوهج والتوقد واستيلاد الحياة

| سارة سلامة- تصوير: طارق السعدوني

الثقافة تتجدد… تنتصر وتنتفض تحتفل وتكرم في أرض لم تهزم فيها بيوم ولم تخزل ولم تركع، دمشق التي اجتمعت عليها مطامع الدنيا استطاعت أن تزهق حرباً امتدت سنوات واستهدفت كل القطاعات، وكانت الثقافة لا تقل اهتماماً عند عدو اهتم بتخريب التراث الثقافي والفكري والعملي والحضاري، ولكن هذه المدينة التي لطالما تغنت بحضارتها بقيت طوال سنوات الحرب تفيض ثقافة في كل مراكزها الثقافية ودار الأوبرا، تقام الحفلات والفعاليات وتوقيع الكتب والمعارض الفنية والمقطوعات الموسيقية والأفلام وغير ذلك. ليبقى السؤال الأهم أي بلد وإرادة جاؤوا يدمرون؟ وبأي فكر راسخ حاولوا أن يعبثوا؟

حيث كانت الثقافة الشريك الحقيقي في أرض المعركة وكان على المثقفين مسؤوليات إضافية لها علاقة بالمرحلة الراهنة وإثبات الذات. هذا كله دفع وزارة الثقافة لتجدد انتصار الثقافة الذي يأتي بشكل طبيعي مع بطولات جيشنا الباسل على الأرض، ولتطلق مهرجاناً بعنوان «الثقافة تجدد انتصارها» في دار الأسد للثقافة والفنون، في حفل ضم قامات الفن والفكر والثقافة، وتكرم مجموعة منهم: «أسعد فضة، نادين خوري، أيمن زيدان، فاديا خطاب، رضوان عقيلي، الأديب مالك صقور، الباحث محمد الحوراني، الفنانتان التشكيليتان هالة مهايني وسوسن جلال، الأديبة الدكتورة نورا أريسيان، التربوية مها عرنوق، الإعلامي محمد الخطيب، الكاتب الدكتور إسماعيل مروة، وتكريم الموسيقار الراحل عبد الفتاح سكر».
وتم خلال الحفل عرض فني لفرقة آرام للمسرح الراقص إخراج نبال بشير التي اختارت هذه المرة الواقعية بتصوير مشاهد حقيقية من قلب الدمار في إحدى المناطق المحررة في ريف دمشق لتؤكد أن الانتصار ليس فقط على المستوى العسكري بل على المستوى الثقافي أيضاً.

العقيدة النورانية
وخلال كلمته في حفل الافتتاح أكد وزير الثقافة محمد الأحمد أن: «جهود الوزارة في مختلف حقول عملها «السينما والكتاب والمسرح والغناء والندوات الفكرية والأدبية ومعارض الفن التشكيلي وغيرها»، لم تتوقف طوال سنوات الحرب الباغية بل ربما بلغت ذروتها إبانها، إذ كانت الندوات تنعقد في مكتبة الأسد الوطنية وقذائف الإرهاب الغادرة تنهال عليها، ويُعرض عمل مسرحي في دار الأسد للثقافة والفنون وسماء دمشق مثقلة بسحب دخانهم الأسود، ولا غرابة في ذلك إذ أرض الأبجدية الأولى ومهد أول نوطة موسيقية كانت على الدوام مطمعاً للغزاة، ولم تشهد الرخاء والاستقرار، ومع ذلك لم يتوقف العقل السوري المبدع الخلاق عن التوهج والتوقد واستيلاد الحياة».
وتابع الأحمد: إن «ما شهدته البلاد من تآمر قوى البغي والشر على ترابها وسنابلها ورجالها وتراثها، وما تصدع في مواضع منها، يقفنا على دروس وعبر ينبغي لنا استيعابها والنظر فيها، واستخلاص النتائج التي تسهم في تحصين أنفسنا ثقافياً ومعرفياً في مواجهة أي أخطار قد تلم بنا وتداهمنا على حين غرة. ونحن نتعافى من أضواء هذه الحرب الوحشية الظالمة نؤمن بيقين راسخ لا يتزعزع أن الثقافة هي العقيدة النورانية التي تصنع الإنسان وتمضي به إلى أمداء رحبة فسيحة من عشق المعرفة والخير والحق والجمال، بل هي العقيدة الحقة التي تحقق إنسانية الإنسان».
وختاماً بين الوزير أن: «الانتصارات الباهرة التي حققها رجال الجيش العربي السوري زادت من مسؤوليتنا في صناعة العقل المثقف المحصن العصي على كل من يحاول تدنيس التراب السوري وغواية إنسانه المبدع».

نحتاج إلى فن نبيل
وأكد الفنان أيمن زيدان أن: «المستوى الثقافي لم يتوقف مع أنه كان إشكالياً وهذا شيء محزن، ولديّ قناعة أننا نحتاج في الأزمنة الصعبة إلى فن نبيل ومهم، يعني مثلاً أعظم ما صنعه «شوستاكوفتش» سمفونية كان في حصار ستالين، والأزمنة الصعبة يفترض أن تحمل كل المشتغلين في الثقافة مسؤوليات مضاعفة، ويبقى السؤال ماذا نعمل وماذا نقدم؟ وأعتقد أنه في سنوات الحرب كانت مسؤوليتنا مضاعفة وحاولنا قدر الإمكان العمل في المجال السينمائي والمسرحي، وإن كان الجانب التلفزيوني غير مبشر وهذا شيء طبيعي على اعتبار أنه صناعة تتعرض إلى تأثيرات مباشرة للقرارات السياسية، بمعنى ضعف التسويق وضعف المنتج وهشاشته وغياب المنتج الفنان والمثقف، وهذا شيء طبيعي في سنوات الحروب والمعارك حيث تكثر الطحالب على الأشجار وتكثر الأصوات الجانبية تحت شعارات الولاء، وبرأيي أنه في سنوات الحرب يحاسب المثقف الفنان على ما أنجزه وليس على ما صرح به وخطب فيه، أي يُحاسب على المنجز الثقافي الذي قدمه خلال هذه السنوات الصعبة».
وعن التكريم قال زيدان: «أجمل ما في التكريم أنه جاء متزامناً مع انتصار وأتمنى أن يكون الانتصار حليف كل خطوات الجيش العربي السوري العظيم، وكلي أمل بهذه المسؤولية، لأن التكريم مسؤولية، لكي نكون شركاء حقيقيين في صياغة مشهد ثقافي حقيقي يرتقي إلى ما يستحقه هذا الوطن، ونحن بأمس الحاجة إلى إعادة الإعمار الثقافي للوطن».

تزامن مع الانتصار
من جهته قال الأستاذ مالك صقور إن: «التكريم كان مفاجأة بالنسبة لي، وله معان عديدة في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها سورية في تطهير ترابها من آخر بؤر الإرهاب في شمالها، ويتزامن مع إعلان حلب مدينة آمنة وفتح الطريق الدولي، لقد انتصرت سورية بجيشها وشعبها، بصمودها وصبرها وقيادتها».

مسؤولية واستمرارية وحافز
عضو مجلس الشعب الدكتورة نورا أريسيان أوضحت أن: «التكريم جاء ضمن إطار مهرجان الثقافة وبعنوان «الثقافة تجدد انتصارها» وهو بحد ذاته يقول إننا كنا منتصرين بالثقافة واليوم نجدد انتصارنا، وخلال فترة الحرب المواجهة لم تكن فقط عسكرياً وسياسياً بل كانت أيضاً ثقافياً، ولكن ما يميز تلك البلد أنها بقيت محتفظة بموروثها وبحسها الثقافي حيث لم يغلق أي مركز ثقافي في أي محافظة من المحافظات، ولم تغلق دار الأوبرا، واستمر عمل الفرقة السيمفونية الوطنية، واستمر القلم، واستمرت طباعة الكتب ومعارضها، واستمرار كل هذه المؤشرات يقول إننا لم نستسلم».
التكريم مسؤولية إضافية هكذا تقول أريسيان: إنه «يشكل مسؤولية واستمرارية وربما لأنقل هذه المسؤولية للآخرين، وهو حافز للآخرين لكي يكونوا جيدين ويستمروا بممارسة عملهم الفني والأدبي».
كما أن التكريم اليوم جاء مع قرار إدانة الإبادة الأرمنية حيث بينت أن: «الإدانة جاءت في سياقها التاريخي، وأقر القرار بالإجماع في مجلس الشعب، وهذا يبرهن مرة أخرى للعالم أجمع وللمجتمع الدولي، بأن سورية كانت الشاهد الأول على جريمة الإبادة الأرمنية على يد الإمبراطورية العثمانية التي تمارس السياسة الاستعمارية».

حالة من التقدير
وبيّن الكاتب الأديب الدكتور إسماعيل مروة أن التكريم: «يمثل حالة من التقدير للذين بقوا يكتبون ويدافعون ويمثلون ويتمسكون بأرضهم سورية ولم يغادروها وأخلصوا لها، هذا التكريم هو مكافأة بالنسبة لهم، ويؤكد مجدداً أن سورية تقدر أبناءها في كل ميدان وكانوا شركاء حقيقيين في النصر مع جنود الجيش العربي السوري وهم الوجه المشرق، وإذا ما كانت الثقافة بخير كان كل شيء بخير».
الوطن يكرمنا

بينما عبرت الفنانة نادين خوري عن سعادتها الكبيرة في التكريم قائلة: «التكريم في سورية له معان كثيرة وأنا من السوريات القلائل اللواتي كُرمن خارجها، ولكن التكريم في بلدي مختلف وقعه على الممثل، وهو يعني أن الوطن يكرمنا وهذا شيء نفتخر ونعتز به، وسعيدة جداً في هذا التكريم وخاصة أنني أكرم اليوم مع زملاء لي في الوسط الفني».
وأضافت خوري إن: عنوان المهرجان «الثقافة تنتصر»، وهي تنتصر فعلاً بجهود الجيش العربي السوري، تلك رسالة للخارج أن سورية بدأت تتعافى من خلال المهرجانات والتكريمات والثقافة والعلم وهذا يعتبر أحد الأسلحة التي نواجه فيها العدو».

حافز ومحرض
أما الدكتور محمد الحوراني فبين أن: «أهم ما يميز التكريم أنه يجمع قامات من مختلف الفنون والآداب والعلوم ممن أسهموا في الواقع الفني والثقافي والأدبي ونقل العلوم والمعارف من خلال الترجمة. وإن كان من كلمة تقال في هذه المناسبة فهي أن هذا التكريم ينبغي أن يكون حافزاً ومحرضاً على الفعل الثقافي والأدبي والفني البناء؛ الفعل الذي يحاول أن يرتقي إلى بطولات جيشنا الذي مازال يبني ببطولاته ودم الشهداء والمصابين فيه؛ ما دمره الإرهاب وأتباعه وصولاً إلى تكامل الفعل الثقافي والأدبي والفني مع البطولات في ساحة المعركة؛ إيذاناً بمعركة شاملة لبناء الإنسان وإعمار العقل والوعي عند المجتمع السوري؛ الذي أريد له أن يعيش على حطام ثقافته؛ فإذا بها تجدد انتصارها وتنهض بفضل بطولات جيشنا العربي السوري».

التكريم واجب
بدورها عبرت الفنانة التشكيلية سوسن جلال عن فرحتها الكبيرة في التكريم الذي ترك أثراً طيباً وفعلاً تكرم عليه اليوم إلى جانب زملائها وقالت: «نحن اليوم نحتفل بانتصارنا في كل المجالات، والتكريم يعطينا حافزاً إضافياً وشعوراً رائعاً، وخاصة أنه يتزامن مع وقت تشهد فيه سورية انتصارات يومية تحققها على الأرض ببطولات جيشنا العظيم».
ومن جهته قال الفنان رضوان عقيلي إن: «التكريم واجب ومهم جداً بعد سنوات من العطاء، ولكننا لولا الجيش العربي السوري لكنا غير موجودين هنا، ولهم الفضل في تحرير وإعادة الأمان لسورية».
ووجه الفنان أسعد فضة الشكر لوزارة الثقافة على هذا التكريم الذي اعتبره بمثابة وسام يضع على صدره.
من جهتها عبرت الفنانة فاديا الخطاب عن طموحها في الحصول على أكبر عدد من التكريمات، لأن التكريم يعطي للفنان الدعم ويجعلهُ يبذل جهداً أكبر في عمله، مؤكدة بأنه لا يوجد أهم من تكريم الفنان في بلده وسط هذا الصرح العظيم وبين المحبين والأصدقاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن