ثقافة وفن

ظاهرة صحيّة

| د. إسكندر لوقـا

اختصار المسافات بين دول العالم وربط أطراف الدنيا بعضها ببعض على خلفية الإنجازات التي تمت في القرن الماضي وما تلاه في القرن الحالي، أوقع الحضارة البشرية في شرك ما يسمى السرعة وصولاً إلى معرفة ما هو قيد اكتشاف أبعاده. وحين نؤمن بأن القاعدة التي تقول بالنتائج تحددها أسبابها ندرك بأن السبب كامن، بشكل أو بآخر، في أعماق الإنسان، ذلك العالم الصاخب القلق الباحث عن الحقيقة، وبسرعة.
إن السرعة، في إطار هذه الرؤية، قد تعني كل شيء إلا السطحية. قد تعني التوتر، قد تعني الضعف، قد تعني التحدي، ولكنها حين تعني السطحية، تفقد التسمية وتفقد نقطة ارتكازها تلك التي تؤلف منعطفا في حياة الإنسان على الدرب في بحثه عن الحقيقة. وفي حال وضع السرعة في إطارها الحقيقي تزداد قيمة في سياق زحمة الاقتتال من أجل تحقيق غايات قد يندرج جانب منها في مصلحة الخاص لا العام، ومرة أخرى تفقد قيمتها وصولاً إلى هدف محدد.
وربما بدت السرعة، في هذا الإطار، حالة كتلك الحالة التي تدفع بالسائح لرؤية أكبر بقعة من الأرض في أقصر مدة ممكنة أو حالة كتلك الحالة التي يحاول فيها المريض بالرئتين استنشاق أكبر كمية ممكنة من الهواء قبل أن يلفظ النفس الأخير.
قد تبدو السرعة، للوهلة الأولى، كرديف لما يسمى التهور. وقد تبدو في بعض أشكالها لوناً أو حالة من حالات المرض. وعندئذ فقط تخرج بوصفها صورة من صور العصر، من إطار طابعها الحضاري لتغدو جموحاً فردياً أو جماعياً نحو مصيرها المتوقع مثلها في ذلك مثل السيارة التي تمضي في الطريق المنحدر من دون كابح أو من دون مقود.
إن احتواء العصر بكل ما فيه من أبعاد كذلك احتواء التاريخ يحتم على إنسان اليوم تمثل التجارب كافة والخروج من أطرها إلى آفاق جديدة قد تكون مرسومة في الذاكرة أو منقوشة على صفحة الخيال، بيد أنها، مع ذلك، تحفزنا نحو المستقبل، وإنه لأمر طبيعي ومنطقي في آن، أن يحيا إنسان اليوم التاريخ وكل التجارب معاً في كتاب أو خاطرة أو مشهد، كي يطل على المستقبل من خلال التاريخ والتجربة.
وفي غمرة اللحاق باللحظة، تغدو ظاهرة السرعة واقعاً صحياً، يحمل في ثناياه كل أبعاد التسابق وإن يكن ذلك يتعارض على الأغلب، في سياق التنافس، مع الموضوعية والعقلانية بشكل أو بآخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن