قضايا وآراء

رئيس الوزراء «المستقل» في العراق حقيقة أم وهم؟!

| أحمد ضيف الله

بفرح غامر أعرب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني في بيان له في الـ2 من آذار الجاري عن شكره وتقديره لـ«جميع القوى السياسية الكردستانية التي وحدت صفوفها وموقفها فيما يخص منح الثقة من عدمه للحكومة العراقية الجديدة رغم اختلاف وجهات نظرها»، معتبراً «هذا الموقف الموحد مكسباً تاريخياً لشعب كردستان وموضع تقدير»، وعلى الفور قال رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي في بيان له: إن «بعض القادة السياسيين العراقيين وقفوا انتصاراً للإرادة العراقية وفي مقدمتهم رفيق دربنا الأخ العزيز مسعود بارزاني»، داعياً الجارة إيران إلى أن «تعي جيداً أن العراق والدول العربية لا يمكن أن تُبتلع».
وكان «تحالف القوى العراقية» الممثل لأغلب القوى السنّية برئاسة محمد الحلبوسي رئيس المجلس النيابي، قد أعلن في الـ24 من شباط الماضي في بيان مقتضب، أنه لن يحضر جلسة التصويت على حكومة محمد توفيق علاوي.
وهكذا تم إجهاض إعلان التشكيلة الحكومية بإجبار محمد توفيق علاوي على الاعتذار عن التكليف قبل سويعات من تقديمها للمجلس النيابي، وبعد مرور شهر من الاتفاق على أسس تكليفه، وهو تشكيل حكومة مستقلة بعيدة عن المحاصصة الحزبية والطائفية! حيث كثفت القوى الكردية والسنيّة اعتراضاتها العلنية لتشكيلة علاوي الوزارية، لأنها لم تتضمن مرشحين من قبلها لتولي الحقائب الوزارية، لكونهم وحدهم أصحاب الحق في ترشيح من يرونه ممثلاً لهم، ولأن تلك الوزارات من حصتهم، بحسب مجمل تصريحاتهم.
الأغرب فيما جرى أن المتظاهرين في ساحات التظاهر على قلة أعدادهم وتنوع محركيهم، لم يصدروا حتى تاريخه أي إدانة أو استغراب من إصرار القوى الكردية والسنيّة على الاستمرار في انتهاج مبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية في إدارة الدولة العراقية! بل على العكس صبّوا جام غضبهم على القوى الشيعية الداعمة للحشد الشعبي وتحميلها مسؤولية الاستمرار في نهج المحاصصة السياسية! على الرغم من أن هذه القوى التزمت في عدم تقديم أي مرشح من قبلها للوزير المكلف، كما أنه لم تخرج في إقليم كردستان أو مناطق غرب العراق أي تظاهرات منددة بالمواقف الأخيرة لهذه القوى، مُحافظة بذلك على سكونها منذ انطلاق موجة التظاهرات في العراق، فمما يبدو أن لا فاسدين في مناطقهم، ولا شكوى لديهم من صراع أحزاب مناطقهم وتقاسمهم إدارات الدولة فيما بينهم، فالخدمات العامة عندهم في أحسن حال، ولا وجود لعاطلين من العمل في مناطقهم، وهم غير منزعجين من وجود القوات الأميركية التي تسرح بين قطعان أغنامهم.
إن إصرار القوى السنيّة والكردية على استمرار أزمة تشكيل الحكومة، لا يتعلق بالحصص الوزارية، إنما هو في حقيقته، رد على قرار المجلس النيابي بـ«إخراج القوات الأجنبية من العراق» الذي اتخذ في الـ5 من كانون الثاني الماضي بالأغلبية، رغم مقاطعة هذه القوى لجلسة المجلس، والذي دفع بعض القيادات السياسية السنيّة، إلى الدعوة لتأسيس إقليم سنّي في المناطق الغربية، كرد على اتخاذ القوى الشيعية قرارات مصيرية من دون موافقتهم، بحسب تصريحات تلك القيادات، حيث إن مشروع تشكيل إقليم سنيّ في غربي العراق لطالما لوحت به تلك القوى عند كل أزمة داخلية، وهو أحد الخيارات التي تعمد أميركا إلى الدفع باتجاهه لمواجهة طلب إخراج قواتها من العراق، وبالتالي فإن الصراع السياسي الحالي في العراق في جوهره يتعلق بإصرار قوىً مُقاومة وسياسية شيعية على إنهاء وجود القوات الأجنبية في العراق، بمقابل رفض قوىً سياسية كردية وسنيّة ذلك.
إن إخفاق حكومة عادل عبد المهدي، واعتذار محمد توفيق علاوي عن تشكيل حكومة جديدة، اللذين قدما على أنهما مستقلان، كان وهماً، حيث أكدت هاتين التجربتين، على أن أي رئيس وزراء مقبل لن ينجح ما لم يكن مدعوماً من كتل نيابية قوية وفعالة، تسانده في المجلس النيابي وتمنع سقوطه، وهو ما يتطلب من القوى السياسية الشيعية الرئيسة، التحالف مع قوىً وشخصيات سياسية سنيّة وكردية وطنية، وهو أمر ممكن، لتقديم رئيس حكومة أغلبية سياسية، وهي الفرصة الوحيدة لإخراج العراق من مطبات الحكومات التوافقية، والمحاصصات الطائفية في المفاصل الحكومية، ومن دون ذلك سيظل العراق كرة يركلها القاصي والداني وفقاً للهدف الذي يسعى إلى تحقيقه.
وحتى ذلك الوقت، فإن المخرج المناسب للأزمة السياسية الحالية في العراق، هو استمرار حكومة تصريف الأعمال الحالية بعملها، لحين اتخاذ مجلس النواب قراراً بحل نفسه من أجل إجراء انتخابات مبكرة قبل نهاية العام الحالي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن