قضايا وآراء

اليمن بين المخططات المعادية وفشلها المحتوم

تحسين الحلبي

 

حين قامت مصر عبد الناصر وسورية في بداية الستينيات بتقديم الدعم العسكري والسياسي لثورة اليمن الجنوبي ضد قوات الاحتلال البريطانية وبدعم ثورة اليمن الشمالي لتأسيس أول نظام جمهوري في شبه الجزيرة العربية سارعت واشنطن ولندن إلى إعداد إسرائيل لشن حرب حزيران عام (1967) على مصر وسورية بعد أن تمكن دعمهما من تحرير اليمن الجنوبي من الاحتلال البريطاني ومن تشكيل نظام سياسي جمهوري في اليمن الشمالي.
ولا أحد يشك أن عدوان حزيران عام 1967 فرض على مصر عبد الناصر وسورية الانشغال المكثف بالتصدي لنتائج العدوان والتحضير لحرب تشرين 1973.
ومنذ عام 2011 ومع بداية الثورة الشعبية في اليمن والتطورات في مصر وتونس وضعت القوى الاستعمارية التاريخية الأميركية والبريطانية والفرنسية نفسها خطتها لإعادة الأوضاع في هذه الدول إلى سابق عهدها بوجوه وطرق أخرى جديدة، فطلبت من مبارك رئيس مصر تعيين نائب له وتسليمه السلطة وهو نفس ما طالبت به علي عبد الله صالح حين سلم السلطة لنائبه (عبد ربه منصور) ونجحت الخطة في اليمن ولم تنجح في مصر (مبارك)، وتمكنت واشنطن وحلفاؤها بما في ذلك (عبد ربه منصور) من وضع خطة لتقسيم اليمن وهذا ما رفضته الثورة الشعبية اليمنية وقررت التصدي له بكل الوسائل المتوافرة، ولهذا السبب أطلقت واشنطن نيران العدوان المكثفة على اليمن بأيدٍ سعودية وعربية أخرى لإعادة اليمن إلى مساره الأميركي والسعودي مفتتاً وضعيفاً.
ومنذ بداية الغارات الجوية السعودية على اليمن وإعلان الجامعة العربية عن خطة لتشكيل قوات تدخل عربية مشتركة، أخذت مراكز الأبحاث الإسرائيلية تنشغل بوضع اقتراحات وسيناريوهات تلبي جميع الطموحات الإسرائيلية لاستكمال مشروعها التوسعي بشكل ملموس، فقد نشر موقع (ماركور ريشون) أي (المصدر الأول) بالعبرية تحليلاً خصصه لما يمكن أن تستفيده إسرائيل من الظروف الجديدة في شبه الجزيرة العربية ورأى (يوحاي عوفر) كاتب التحليل أن الحملة التي تشنها السعودية على إيران واتهامها بدعم الثورة في اليمن سيجعل القيادة الإيرانية منشغلة بجبهة أخرى إضافة لجبهتها في دعم سورية وحزب الله والفلسطينيين، ويضيف (عوفر): إنه أجرى مقابلة مع بعض قادة الجيش الإسرائيلي الموجودين في جبهة الجولان المحتل وتبين له أن إسرائيل تشعر الآن بعد تطورات الحرب السعودية واشتراك عدد من الدول العربية معها أن وضعها بدأ يتحسن أكثر فأكثر من ناحية تزايد قدرة الردع في المنطقة.
ويرى محلل إسرائيلي آخر في صحيفة (معاريف) أن الثورة الشعبية في اليمن تواجه الآن نيراناً من (مجموعات القاعدة) في اليمن ومن مجموعات عبد ربه منصور المسلحة ومن السعودية وحدودها وقواتها، ويتوقع أن تتولد علاقات بين واشنطن التي تدير العمليات الاستخباراتية في اليمن لمصلحة السعودية وبين مجموعات القاعدة، ويتوقع أن يظهر فرع إسلامي متطرف مثل (داعش) يحمل هوية اليمن وليس (العراق والشام)، ويرى بعض مراكز الدراسات الإسرائيلية والأميركية أن المصلحة السعودية في الحرب على اليمن تتطلب إنهاءها بسرعة وإنجاز معظم أهدافها بالسرعة نفسها وهذا ما لن يتحقق، وأن إطالة زمن هذه الحرب وما ستفرضه كلما طال زمنها سيعزز قدرة جميع حلفاء الثورة الشعبية اليمنية على المستوى الشعبي العربي وعلى مستوى عدد من الدول.
ويرى الإسرائيليون أنهم الرابحون سواء طال زمن هذه الحرب أو قصر ما دامت قد نقلت ما يحدث في منطقة شمال إفريقية من حروب داخلية وحروب بين دول إلى شبه الجزيرة العربية بعد أن بقيت الحرب الداخلية في العراق وسورية مستمرة حتى هذه اللحظة. وفي هذا المشهد لا تغيب إسرائيل أبداً، بل قد بدأت بوضع خططها وشحذ أسلحتها الاستخباراتية والعسكرية والإعلامية لسيناريو توسيع المشروع الصهيوني في ظل هذا المشهد غير المسبوق في التاريخ العربي المعاصر.
لكن الإسرائيليين يعترفون أيضاً أن الدول العربية الحليفة لواشنطن تحكم علاقاتها فيما بينها تناقضات ومفاجآت قابلة لتغيير المسار الذي ترسمه واشنطن، بينما تجد إيران وسورية والعراق وحزب الله في لبنان والمقاومة الفلسطينية أن تحالفها يزداد تماسكاً وقدرة على حشد مصادر القوة والتأثير وزجها في أي معركة مقبلة على الساحة الإقليمية والدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن