قضايا وآراء

طهران ودمشق وبغداد

| تحسين الحلبي

هل يفتح خط التعاون السوري اللبناني الإيراني الذي تأكد نجاحه بسلامة وصول سفن الوقود الإيرانية إلى لبنان عن طريق سورية باباً لاستفادة العراق بما يتيح من فرصة لزيادة التعاون العراقي الثنائي مع سورية وإعادة وصل العراق بالبحر المتوسط عبر سورية ضمن إطار تعاون اقتصادي عراقي– إيراني- سوري- لبناني وهو الأكثر جدوى جغرافياً واقتصادياً لمصلحة بغداد من أي إطار بديل؟
الكل يرى أن مبادرة الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه لاستقبال سفن الوقود الإيرانية على الأراضي اللبنانية هو الذي جعل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين تُجبر على الموافقة على مرور الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى لبنان عن طريق سورية فأصبحت سورية مفتاحاً لكتلة محور المقاومة عبر سفن إيران ومفتاحاً لكتلة القاهرة عمان عبر موافقتها على السماح بمرور غاز مصر وكهرباء الأردن للبنان وبحقها من الاستفادة من مروره عبرها.
وفي ظل وضع كهذا سيجد العراق الذي ارتبط بإطار مستجد للتعاون مع عمان والقاهرة في هذا العام وبإطار أقدم منه مع طهران ودمشق نفسه قابلاً لتوسيع تعاونه مع هاتين العاصمتين ما دامت سورية أصبحت عنوان مرور مصالح الإطارين إلى لبنان.
وبهذا الشكل وبعد زيارة رئيس الحكومية العراقية إلى طهران لا بد أن يكون الجانبان العراقي والإيراني قد بحثا في تطوير وزيادة التعاون الاقتصادي بينهما وخاصة أن إيران تصدر للعراق ما قيمته 13 مليار دولار سنوياً، وهذا الحجم لا يوجد ما يشبهه بين العراق وكل من الأردن ومصر والإطار الذي يجمعها بهما، كما يمكن لبغداد تعزيز علاقاتها السياسية مع سورية على مستوى متزايد لأن كلاً منهما تتصديان ميدانياً للمجموعات الإرهابية التي ما تزال تستهدف أراضيهما وشعبيهما في أكثر من مكان في الداخل وعبر الحدود، فما يجمع بين الجانبين العراقي والسوري في هذه الحرب المشتركة ضد مجموعات داعش، يحتل في سياستهما أولوية مستمرة حتى تطهير آخر شبر من أراضيهما من المجموعات الإرهابية، وأمام هذه الحقيقة لا يمكن لأحد غض النظر عن الدور الأميركي في رعاية الولايات المتحدة للمجموعات الإرهابية عبر حدود الدولتين والمماطلة الأميركية في تنفيذ الانسحاب الأميركي التام والشامل من أراضي الدولتين.
ما يجمع الدولتين من جدول عمل مشترك بعد تحرير الموصل ومعظم أراضي الشمال السوري من مجموعات داعش الإرهابية في السنوات الماضية يضعهما بشكل موضوعي أمام تعزيز علاقات التعاون بل والشراكة بينهما وهما الجارتان اللتان تعرضتا لأفدح الأخطار من حرب هذه المجموعات الإرهابية والداعمين لها وتمكنتا من الانتصار على الإرهاب ولن يكون بمقدور الولايات المتحدة أن تفرض على أي منهما سياسة الإقصاء والتفتيت التي أحبطها كل منهما.
الكل يرى في هذه الأوقات وبعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، أن الولايات المتحدة بدأت تؤسس قاعدة تحالف مع نفس مجموعات طالبان والعمل على ضم دول أخرى في المنطقة للتعاون مع هذا التحالف والاستناد إليه في تحقيق أهداف أميركية إقليمية ودولية وكأن إدارة بايدين اكتشفت مؤخراً أن ما يمكن أن تحققه من أهداف عن طريق التعاون مع طالبان أكثر مما تحققه في حربها ضدها وهذا ما دفع واشنطن إلى تسليم طالبان أسلحة ومعدات وذخائر متطورة بقيمة 80 مليار دولار وجيشاً من 300 ألف أفغاني كانوا يتبعون لحكومة كابول السابقة تستطيع توظيفه مع مجموعات طالبان لهذه الغاية ويخطئ من يعتقد أن الولايات المتحدة لن تستخدم هذا التقارب أو التحالف مع طالبان ضد كل من يناهض سياستها في المنطقة أو الجوار الأفغاني وهذا يعني إيران وسورية وكل من لا يقبل بالسياسة الأميركية في جوارهما، ولذلك لن يكون العراق بمنأى عن خطر هذه الخطة الأميركية المقبلة والتي بدأت تتضح معالمها يوماً تلو آخر وبخاصة لأن الخلفية الإسلاموية التي تحملها طالبان تتفق مع السياسة الأميركية وحروبها الطائفية والمذهبية في منطقة الشرق الأوسط، وقد تصبح طالبان رأس الحربة بدعم قطري واضح في مثل هذه الحروب الأميركية التي لا ترغب واشنطن إيقافها رغم الهزائم التي تعرضت لها في المنطقة أمام الدول والقوى المناهضة لهيمنتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن