ثقافة وفن

الفن لغة المشاعر بالكلمات أم بالألوان أم بالأصوات؟ … رولا أبو صالح لـ«الوطن»: أبحث عن الأجوبة في لوحاتي التي تطرح تساؤلات لا تنتهي

| سوسن صيداوي - ت: مصطفى سالم

نحن كلّنا نعيش في مجال تأثيريّ واحد، فلا يمكن أن يمرّ حدث ما مرور الكرام إلا وسنشعر به كلّنا، هذا من جهة ومن جهة أخرى، ماذا عن المكنونات الداخلية، وما المشهدية التي ستخرج بها، وكيف سيكون القادم؟ أسئلة كثيرة ما بين الوجود وفلسفته تدور في مكنونات الفنانة التشكيلية رولا أبو صالح، كانت باحت بها عبر أعمالها التي احتواها غاليري جورج كامل في دمشق عند افتتاح المعرض، لوحات متنوعة الأحجام، تذهب إلى الواقع وتوغل به، لتصّور حياة الأطفال السوريين، في وجوه مسحها الواقع برماديته الذاهبة إلى السواد.

في كل لوحة من اللوحات الست عشرة هناك حكاية، ورفضت التشكيلية أن تعطيها عنواناً، لتترك المجال لنا كي نحكي نحن الحكاية ونصوغ أحداثها وفق ما نراه ونشعر به.

للمزيد نترككم مع حوار «الوطـن» مع الفنانة التشكيلية رولا أبو صالح:

بداية ما العنوان الذي انطلقتي به بمعرضك الحالي… حدثينا أكثر عن محتواه؟

يحتوي المعرض على ست عشرة لوحة، وهي من قياسات كبيرة 150/150، و110/160، وكلها تدور حول نفس المواضيع والأفكار.

وأنا قررت بأن يأتي المعرض من دون عنوان، فأنا لا أستطيع إدراجه تحت مسمى معين، أو حصره ببساطة بكلمة أو اثنتين، كونه مزيجاً من مجموعة أفكار ومشاعر ومواقف حصلت جميعها معاً وليست بالصدفة، وكلها كانت مخزنة في أعماقي، ولم تظهر خلاصتها بعشوائية، فكل شيء مرتب مسبقاً ضمن مصفوفات وخوارزميات لا ندركها بحواسنا الظاهرية. بمعنى آخر لوحاتي هي تجربة لرسم ما في داخلي، فهي محاولة لاكتشاف الهدف من الحياة أو الحقيقة، أو بالأصح ربما هي محاولة اكتشافي لذاتي، والمهرج هو وسيلة للتعبير عن الإنسان البسيط، الذي يحاول الهروب من اللعبة، بدلاً من أن يجد الحل.

لنقف هنا عند شخصية المهرج والتي هي الموضوع الأساس بين اللوحات… لماذا الطفل مهرج في أعمالك؟

أصور الطفل المهرج كناية عن الإنسان التائه الذي يتبع الآخر من دون أي تفكير، هذا وأحاول إخراجه من الصور النمطية بصفته أحمق ومضحكاً، ففي الأعمال نجده يقف ليكون أكثر حساسية وليصف مشاهد عالقة في ذاكرتي الماضية أو ربما موجودة وراسخة في ذهني المستقبلي. لا أعلم إن كان المشهد الأخير للوحات قادراً عن الإجابة التالية: لربما المهرج يحاول تنبيهنا من خطر ما؟ هل يا ترى كل ما موجود في الزمن القديم قادر بأن يخدم وعينا الحالي؟ وهل الأزمنة تتشابه لدرجة أننا سنكرر ما سبقنا إليه الأولون دون أن نكلّف أنفسنا عناء التفكير؟.

كل هذه الأسئلة تطرحها اللوحة والمهرج هو وسيلة تجسّد هذه الفكرة.

ماذا عن الألوان السوداوية المنتشرة في اللوحات والتي هي مختلفة تماماً عما استخدمتيه في المعرض السابق؟

إن إعادة تشكيل الألوان على القماش الأبيض، من أقوى الطرق للوصول لعمق النفس في تحرير ما عجز أن ينطق به اللسان، فالفن لغة المشاعر سواء تم تصديرها بالكلمات أم الألوان أم الأصوات، هنا بلوحتي حاولت وضع الألوان أحياناً ولكن الفكرة كانت طاغية، فأنا لا أتوقف عن التساؤل بيني وبين لوحتي عما الذي يمنع البشرية من العودة بالإنسانية إلى الطبيعة الفطرية، أنا أطرح الأسئلة وأبحث عن أجوبة لتساؤلاتي التي لم تنته، تساؤلات لجهة الإنسانية بشكل عام وليس السوريون فقط، فالإنسانية متصلة مهما حاولنا الانفصال، فإذا حصلت كارثة ما سيتأثر الجميع عاجلاً أم آجلاً، وليس شعباً أو قومية معينة، وهذا ما أثبتته الفيزياء الكميّة، فنحن نعيش وسط نسيج متصل نسبح فيه، والانفصال عن البقية وهم، وهذا المشهد متكرر وتتحدث عنه أغلب اللوحات.

لنتوقف عند الوجوه هل تعود لأطفال محيطين بك كما في المعرض الماضي؟

نعم الوجوه أغلبها حقيقية، لأنني أحب الواقعية وأرغب بإبقاء تفاصيل واقعية بلوحتي على المدى القريب، ولكن ليست كل اللوحات تتبع المدرسة الواقعية، فأنا لا أتقيّد بمدرسة معينة، وقدرة الإبداع في الفن تكمن في كسر الأنماط، وبالتالي أنا أطلق العنان في حرية يدي وريشتي وألواني لتتبع مكنوناتي الداخلية والتي هي في العمق تستفزني نحو الرسم بالمواضيع المتنوعة.

الأطفال في اللوحات إلى أي مدى يشبهون الأطفال السوريين؟

الأطفال هم من الواقع السوريّ، لأننا كما أخبرتك مسبقاً متصلون ببعضنا البعض على المستوى الأثيري غير المرئي، وبما أننا نعيش بنفس الوسط فبالطبع سنتأثر كوننا نعيش بنفس الدائرة، ولكن الفكرة الأساسية تتحدث عن الإنسانية ككل، هذا من جهة ومن جهة الثانية التكاتف أو الجسر الواضح بين الأطفال في اللوحات إنما هو يمثّل هذا الاتصال، فنحن نتأثر ونؤثر ببعضنا البعض، في طريقة ستمتد إلى المراحل القادمة في المستقبل.

وأخيراً الإشراق والأمل موجودان بالطبع، وهما ما تعبّر عنه المساحة البيضاء في اللوحة، فنلاحظ التدرج والخروج من الظلمة (اللون الأسود) إلى النور (اللون الأبيض).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن