ثقافة وفن

كتاب نوبل.. حزن مفتعل

| إسماعيل مروة

شهد الأسبوع الماضي حركة كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من كثيرين عندما أعلن إغلاق مكتبة نوبل العريقة في دمشق، وصار الناشطون عبر وسائل التواصل والكسالى يتداولون واجهة المكتبة وصاحبها أمامها أو من دون وجود صاحبها، مع عبارات حزن وأسف وصل حد البكائيات عند كثيرين! وبادئ ذي بدء أقول: إن إقفال نافذة من نوافذ الثقافة هو أمر محزن حقاً، ويدل دلالة كبيرة على تردي الواقع الثقافي والمعرفي في المجتمع، ولكن الأمر يحتاج منا إلى معالجة أكثر علمية ودقة، فهناك عشرات المكتبات التي تنازلت عن دورها الطليعي، لكنها لم تقفل بمعنى الإقفال، ولم ينحرف بها المسار إلى درجة واضحة، مثل مكتبة دمشق ومكتبة الملاح وسواهما من المكتبات التي حافظت على فكرة المهنة العامة، ولكنها تحولت إلى القرطاسية والمواد الهندسية والإكسسوارات والألعاب، وبيع حاجيات جديدة!
وهذا التحول بدأ منذ أكثر من عشرين عاماً، ولكننا لم نجد هذه الفزعة المعرفية الصحية في جانب وغير الصحية في جوانب عديدة، لماذا؟
مكتبة نوبل، وقبلها مكتبة اليقظة العربية التي نشرت أهم المصادر الإشكالية في الثقافة العربية تشكلان قطبين عريقين يحاول كثير من المثقفين نسب نفسه إليهما، ولكن لو استعرضنا ما جاء على صفحات التواصل وأصحاب هذه التعليقات، فمن المؤكد أن عدداً كبيراً منهم لم يدخل مكتبة نوبل، ولم يشتر كتاباً من المعروض وما مارسه من بكاء هو بكاء افتعالي جرياً وراء الموضة ليقال عنه إنه مثقف! فهل بينهم من دخل المكتبة ليبحث عن ترجمات سامي الدروبي لدستوفسكي؟ هل بينهم من كان يخرج من سينما الزهراء بعد حضور فيلم كبير ليشتري كتاباً من نوبل أو ميسلون أو الزهراء؟
لو سألت كثيرين عند الحوار عن محتويات المكتبة وطبيعة نشاطها، فإنه لن يعرف، ولو سألته عن السيد إدمون فإنه لن يعرف شكله!
ومن ناحية أخرى يجب أن نناقش الأمر من رؤية صاحب المكتبة، فهذه المكتبة قديمة، جئت إلى الدنيا وهي مكانها، وكنا نقصدها وهي اسم مشهور، فهي متوارثة من جد إلى أب إلى ابن، وهذه السلسلة كانت تعيش من عوائد المكتبة كما آل التنبكجي أبو زياد ودار دمشق وحسين النوري أبو سالم ومكتبة النوري، ولكن ماذا عن حال المكتبة والكتاب اليوم؟ لماذا نريد من صاحب المكتبة أن يبقى فاتحاً مكتبته، وهو من الصباح إلى الإقفال قد لا يبيع كتاباً واحداً؟ هل يأكل من الهواء؟ هل يصرف من تضرعاتنا؟ أجلس مع أحد الأصدقاء في أوقات فراغي، ومن الصباح إلى أن يقفل كانت حصيلة عمله لا تتجاوز ألف ليرة سورية، والسيد إدمون صاحب نوبل يقطع المسافات مشياً ليأتي بكتاب طلبه زبون ما منه، قد يشتريه وقد لا يفعل..
كنا ندخل إلى مكتبة النوري، يستقبلنا الراحل أبو سالم، وأفخم المجلدات نشتريها، بستين ليرة سورية، كنا نشتري كثيراً، وكان أبو سالم وأولاده خواجات بكل معنى الكلمة.. الكتاب اليوم بستين ألفاً، لا من يشتري، والمكتبة لم تعد مكتبة، بائع الفلافل يعمل أفضل من تجمع مكتبات دمشق، فهل وضعنا أنفسنا مكان هذه الدور والمكتبات التي ترزح تحت الدين أو كتب الأمانات قبل أن نطالبها بأن تبقى مشرعة الأبواب للهواء والغبار والأوساخ؟!
الأمر أيها الأصدقاء لا يعالج بعاطفة وبعبارات جوفاء، فصاحب المكتبة الموت أهون عليه من إقفالها، لكن الحياة لا ترحم، وأكبر المثقفين اليوم يقرأ إلكترونياً، ومعه فلاشة فيها المكتبة الشاملة التي يستحضر منها ما يشاء دون أن يدفع شيئاً!
الأمر لا يحتاج إلى هذه الفورة، هو مادة إعلامية لا أكثر لدق ناقوس الخطر بانحسار المكتبات لصالح المقاهي والمعسّل لا أكثر، لكشف ابتعاد الناس عن الكتاب، ووضع آليات محددة لدعم الكتاب والقراءة، فهل فعلنا؟
إذا صارت مراكزنا الثقافية ومكتباتنا الكبرى مهجورة إلا من المجبرين على البحث، فهل نطلب من إنسان أن يبقى مصلوباً جائعاً مدافعاً عن الكتاب؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن