من دفتر الوطن

رحلة العمر

| عصام داري

كما العجوز يستعين بالعكاز ليحافظ على توازنه وهو يسير نحو حافة الهاوية، أنا أستعين بأغاني فيروز أتوكأ عليها كي أصل إلى هدفي في الكتابة.
فيروز وزياد: (صباح ومسا.. شي ما بينتسى) وتسير الأغنية في الدروب الصعبة حيناً، والسهلة أحياناً، فتتكرر الساعات والثواني والوجوه، ونحن نبحث عن التجديد، ولا جديد، والخيارات محدودة لكننا نملك الأمل في أن يكون الغد أحلى.
في رحلة العمر أخذتنا الدنيا إلى حيث لا نريد، ساقتنا كالأغنام إلى مذابح عاطفية واجتماعية واقتصادية ونفسية… فذهب قسم من العمر، في متاهات وعذابات وابتعدنا عن مسارنا الذي كنا رسمنا خطوطه العريضة ونقف على شاطئ الخيبة نلعن حظنا العاثر ويا طالما ألقينا مسؤولية فشلنا على الحظ العاثر وغدر الزمان وظلم الإنسان للإنسان.
لكننا في كل ذلك لا نفكر ولو للحظة واحدة أننا نتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما حدث ويحدث لنا: فغرورنا، ربما، واعتدادنا بأنفسنا يجعلنا نستبعد بالمطلق احتمال أننا اقترفنا أخطاء كثيرة غيرت مسار حياتنا، وأننا أهدرنا الفرصة تلو الأخرى، وضيعنا لحظات فرح كانت في المتناول.
بعد كل العذابات التي أوجعت أرواحنا، وبعد تلك المذابح العاطفية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وبعد الضياع في متاهات وعذابات، نكتشف أننا نبتعد عن مسارنا الذي كنا رسمنا خطوطه العريضة، ونقف على شاطئ الخيبة نلعن حظنا العاثر، وطالما ألقينا مسؤولية فشلنا على الحظ العاثر، لكن علينا ألا نتوه في الدروب الوعرة، وألا ننسى نعمة وروعة الحياة.
اليوم، ومع النسمة التي أنعشتني في الساعات الأولى من النهار، أشعر أنني قادر على التفكير من جديد بعدما ظننت أن دماغي صار عجوزاً يحتاج إلى عكاز يتوكأ عليها ليتابع مشوار الحياة والحب والكتابة، وأرى أمامي- على الرغم من كل الظروف الراهنة- بساتين فسيحة تسكنها المحبة ومزركشة بالزهور وموقعة من آلهة الحب والخصب والجمال وتنشر ورودها وأزاهيرها الشذا والعطر والأريج.
أعرف أن ما أكتبه أشبه بالحلم، بل هو الحلم نفسه، ألا يحق لنا أن نحلم بفرح آت يجهّز على سنوات الجمر والقهر، الفرح من صنعنا، والتفاؤل شريكنا، والأمل طريقنا، والدعوة مفتوحة لعشاق الحياة والحب والنور.
كل ما نحتاجه اليوم هو الأمل والتفاؤل كي نستطيع الخروج مما وصلنا إليه، وسط هذا الموج المتلاطم من أزمات ومشاكل ومصائب لم يكن أحد في الدنيا يتصور مجرد إمكانية حدوثها، فإذاً، هي تحدث وتتكرر المرة تلو الأخرى.
الأمل بنك مفتوح تمتلك فيه رصيداً هائلاً، فإما أن تستخدم هذا الرصيد وتسحب من البنك، وإما أن تمارس بخلاً في استثمار الأمل، فتفقد أفضل سلاح تواجه فيه غوائل الأيام، وغدر الزمن، وتخلي الناس عنك.
حاولوا أن تجعلوا رحلة أعماركم سهلة وممتعة مهما عاندكم القدر وتعرضتم للمصاعب ونبتت الأشواك في دروبكم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن