من دفتر الوطن

سُعَار الأسعار

| حسن م. يوسف

ما من شيء أحادي الوجه في هذا العالم، فكل شيء يحتوي على نسبة ما من نقيضه، لذا سرعان ما نكتشف جوانب ضارة في الأشياء التي كنا على يقين من نفعها.
أصارحكم أنني قررت منذ بدء الحرب التي تشنها الفاشية العالمية بالتعاون مع الفاشية الإقليمية والمحلية على دولتنا السورية، أن أتجنب الخوض في أي موضوع يضعف موقف الدولة أو يخدم أعداءها بأي شكل، لذا كنت أتجنب إثارة بعض القضايا الساخنة رغم إيماني بأهميتها بالنسبة لأخوتي المواطنين.
أؤمن أنه لا يمكن الكتابة عن الغلاء الكارثي في بلدنا، دون ذكر تخريب الإرهابيين لبنيتنا التحتية، وقيام تركيا بسرقة معاملنا، والدور المدمر للعقوبات الإجرامية التي يفرضها الغرب المتوحش على بلدنا. والحقيقة أن حرب الإرهاب على دولتنا، طالت كل جوانب حياتنا، بما في ذلك ثقافتنا، وعلى رأسها لغتنا العربية التي يزيد عدد مفرداتها عن اثني عشر مليون مفردة – أي اثني عشر ضعف مفردات اللغة الإنكليزية- فمن المهين للغتنا أن نطلق على من أثروا من آلام شعبنا وتضحيات جيشنا اسم: «أمراء الحرب»! لأن الأمير لقب تشريفي أطلقه النبي العربي محمد (ص) على أبرز وأنجب قادة جيشه، ورغم أن كثيرين ممن حملوا هذا اللقب في تاريخنا المعاصر لا يستحقونه، إلا أنه لا يجوز بأي شكل أن نصف الضباع الذين ينهشون لحمنا وينهبون اقتصادنا بأنهم (أمراء)!
بعد أن حسم جيشنا الوطني الحرب على الأغلبية العظمى من جبهات القتال، بدأت الحرب تنتقل إلى الأسواق، ورغم وجود وزير تموين، معروف بحسن نواياه، في الحكومة الجديدة، إلا أن انفلات الأسواق مكن ويمكن «ضباع الحرب» من إطباق قبضاتهم أكثر فأكثر على عنق اقتصادنا الوطني، وهم في كل يوم يبتكرون طرقاً جديدة لسرقة ما تبقى للمواطنين من فتات.
ولكي لا يتهمني أحد من القراء بالتنظير أود أن أوجز لكم بالتفصيل الممل وقائع ثلاث مغامرات لي في أسواق دمشق.
أولاً: مررت على إحدى الصيدليات وطلبت مرهماً لأنني أتحسس من المطاط الذي يستخدم في صناعة الجوارب وعقب خروجي من الصيدلية اكتشفت ثلاث حقائق صادمة، أولها أن المرهم مصنوع قبل ثلاثة أعوام ولم يبق على انتهاء صلاحيته سوى شهر واحد. الحقيقة الثانية هي أن السعر الأصلي المطبوع هو 175 ل.س غير أنهم طبعوا في مكان آخر على العلبة: «السعر الجديد 700 ل.س. خاص للاستعمال الخارجي»، لكن الصيدلانية تقاضت مني مبلغ 1500 ل.س، أي ثمانية أضعاف السعر الأصلي وضعفي السعر الجديد!
ثانياً: مررت على محل لشراء عبوة ماء مقطر للبطارية سعة 4 ليترات، فطلب الشاب ثمنها خمسة آلاف ليرة ونظراً لأنني كنت قد اشتريت نفس العبوة بألفي ليرة قبل أيام فقد ذهبت إلى المحل المجاور فباعني العبوة بألفي ليرة!
ثالثاً: أرادت الأسرة أخذ استراحة من الطبخ، فاقترحت أن أحضر وجبة (مندي)، لكنني صدمت عندما اكتشفت أن سعر فروج المندي (مع الرز) قد أصبح 26000 ليرة، أي إن راتبي التقاعدي يكفي لشراء ثلاث وجبات بالتمام!
قبل أن أشرع بكتابة هذا المقال تساءلت عما إذا كانت هناك علاقة بين السعر (ما يقوم عليه الثمن) والسعير (النار) والسُّعار (داء الكَلَب)؟ وعندما قررت أن يكون العنوان (سُعَار الأسعار) اكتشفت أن كلمة (عار) متضمنة في هذا العنوان مرتين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن