من دفتر الوطن

صياد وعفريت

| عصام داري

سأروي لكم حرفياً وبكل شفافية وصدق وصراحة ما حدث معي منذ فترة قصيرة، فأنتم تعرفون أنني لا أكذب مثلي في ذلك مثل الذين يطلقون الوعود حول رسائل البنزين والمازوت والسكر والرز وغيرها.
وأنتم تعرفون أيضاً أنني صياد ماهر، أصطاد بالمياه الصافية والعكرة على حد سواء وبالحرفية نفسها، وأصطاد الأرانب والغزلان والبط والأسماك والحيتان، وكل أنواع العصافير، الكبير منها والصغير.
المهم، حضّرت عدة الصيد كاملة، كانت النية أن تكون الحصيلة وافرة من البر والبحر، ركبت السيارة واتجهت نحو صحارينا الرائعة، وبدأت في البحث عن طرائد، والحمد لله اصطدت غزالين بحجم الحمار، وخمسة أرانب بحجم الخرفان، وتمساحاً كان يتجول في الأرجاء، وعشرات العصافير من كل شكل وحجم ولون.
وعندما قررت أن أعود بغنائمي إلى المنزل لمحت أرنباً يراقبني عن بعد وكأنه من المكتب الثاني، فصوبت بندقيتي وأطلقت الرصاصة نحوه، لكنه تمكن من الهرب، وقبل أن يختفي مد لي لسانه ساخراً ومضى في حال سبيله.
لكنني سمعت صوتاً من اصطدام الرصاصة بشيء معدني، فذهبت إلى حيث كان يقف الأرنب فكانت المفاجأة: لقد عثرت على مصباح عتيق أظن أنه مصباح علاء الدين، وعندما حاولت تنظيفه وإزالة الغبار والأتربة عنه شعرت بحرارة كادت تحرق أصابعي، فرميته أرضاً فإذا بمارد يخرج منه ويقول جملته الشهيرة التي كنا نسمعها في فيلم (الفانوس السحري) بطولة إسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي: «شبيك لبيك عبدك بين ايديك»!
مع أنني كنت مرعوباً جداً إلا أنني شجعت نفسي وسألت العفريت، أو المارد: هل ستلبي كل طلباتي؟ فأجاب بالإيجاب، عندها اطمأن قلبي وقلت له: أريد بيتاً في أرقى أحياء العاصمة.
غاب ربع ساعة وعاد، حملني أنا وسيارتي إلى بيتي الجديد، ففرحت كثيراً وبدأت أتجول في البيت الرائع بطوابقه الثلاثة، ثم طلبت من عفريتي سيارة ما رأت الأنظار مثلها، فكان لي ما أريد في ظرف عشر دقائق، فطمعت أكثر وطلبت شاليهاً فاخرة على بحرنا الذي نسيت اسمه لأنني لم أذهب إلى الساحل منذ بداية الأزمة.
بعد ساعة ونصف جاء العفريت وقال: الشاليه جاهزة هل تريد أن تراها؟ فقلت: طبعاً فحملني على يده وطار نحو الساحل فتمتعت بمشاهدة بلدي من العالي، كانت الأرض تحتنا أشبه بلوحة باللون الأصفر والترابي يتخللها بعض الشجيرات اليتيمات وبيوت عاشقة ركب بعضها فوق بعض فتحولت إلى لوحة سوريالية تشبه لوحات سلفادور دالي، وهو ابن عمي بعد استبدال حرف اللام بالراء.
بعد ذلك طلبت يختاً أميرياَ يشبه يخت الأمير فلان الفلاني (يختي عليه) فكان لي ما أردت، ثم طائرة خاصة، وهكذا، عندها طلبت أسطوانة غاز كل خمسة عشر يوماً، فوقف مذهولاً، وقال لي: المهمة صعبة هذه المرة، بل مستحيلة.
وطلبت بنزيناً لسيارتي من دون رسائل من تكامل، وزيتاً وسكراً وشاياً ورزاً ومكسرات وفواكه وخضراوات فإذا بالعفريت ينتحب باكياً وهو يرجوني أن أجعل طلباتي معقولة وسهلة، وعندما طلبت 1000 ليتر مازوت نهض العفريت وأخذ حبلاً صنع منه مشنقة وضعه في عنقه وقال: إما أن تعيدني إلى الفانوس السحري الذي كنت عالقاً فيه منذ أربعة آلاف عام، أو أشنق نفسي!
فعلاً أشفقت عليه وأعدته إلى الفانوس من جديد، وبمجرد دخوله إلى الفانوس والاستقرار فيه، تبخرت كل المكاسب التي حصلت عليها، حتى صيدي الوفير من غزلان وأرانب وبط وتماسيح أكلتها وحوش بشرية مستعدة لأكل الأخضر واليابس، وسرقة لقمة الفقير من فمه، ولو استطاعت لأكلت هذا الفقير لقمة لقمة.
هذا ما حدث معي حرفياً في رحلة الصيد تلك، نقلته بكل صدق وأمانة، وإذا كنتم لا تصدقون ما كتبته اسألوا العفريت، والعفاريت لا تعرف الكذب!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن